الخطبة الشامية | الكلمة الاولى | 12
(1-47)

كل ذلك يثبت ان الانسان اشرف مخلوق واكرمه.
وثبت ايضاً بشهادة الحقائق التي قدّمها الاسلام للبشرية والتي تخص البشر والكائنات: ان المسلمين هم افضل البشر واشرفهم وهم اهل الحق والحقيقة، كما ثبت بشهادة التاريخ والوقائع والاستقراء التام: ان اشرف اهل الحق المشرَّفين من بين البشر المكرَّمين وأفضلَهم هو محمدy الذي يشهد له ألفٌ من معجزاته وسمو اخلاقه ومكارمه وحقائق الاسلام والقرآن.
ولما كان نصف البرهان هذا قد بين هذه الحقائق الثلاث أفيمكن أن يقدح نوعُ البشر بشقاوته شهادةَ هذه العلوم جميعها، وينقض هذا الاستقراء التام، ويتمرّد في وجه المشيئة الالهية والحكمة الازلية؛ فيستمر في قساوته الظالمة وكفره المتمرد ودماره الرهيب ؟ أفيمكن ان تستمر هذه الحالة في عداء الاسلام هكذا؟
انني اقسم بما آتاني الله من قوة بل لو كان لي مالايعد ولايحصى من الألسنة لأقسمت بها جميعاً، بالذي خلق العالم بهذا النظام الاكمل، وخلق الكون في منتهى الحكمة والانتظام من الذرات الى السيارات السابحات في اجواز الفضاء، ومن جناح البعوضة الى قناديل النجوم المتلألئة في السموات، ذلكم الحكيم ذو الجلال والصانع ذو الجمال، أقسم به سبحانه بألسنة لا تحد انه لا يمكن ان يخرج البشر على سنة الله الجارية في الكون ويخالف بقية اخوانه من طوائف المخلوقات بشروره الكلية ويقضي بغلبة الشر على الخير فيهضم تلك المظالم الزقومية على مدى ألوف السنين! فهذا لا يمكن قطعاً!
نعم، انه لا يمكن ذلك إلاّ بافتراضٍ محالِ هو أن الانسان ليس خليفة الله في الارض، الحامل للأمانة الكبرى والاخ الاكبر الاكرم لسائر انواع المخلوقات، انما هو ادنى مخلوق واردأه وارذله واضرّه وأحقره، دخل الكون متلصصاً ليفسده! فهذا الفرض المحال باطل من اساسه لا يمكن قبوله باية جهة كانت.
فلأجل هذه الحقيقة يمكن أن نستنتج من نصف برهاننا هذا:
كما أن وجود الجنة والنار ضروري في الآخرة فان الغلبة المطلقة ستكون للخير وللدين الحق في المستقبل، حتى يكون الخير والفضيلة غالبين في البشرية كما هو الامر في سائر الانواع الاخرى، وحتى يتساوى الانسان مع سائر اخوانه من الكائنات، وحتى يحق ان يقال: انه قد تحقق وتقرر سرّ الحكمة الازلية في النوع البشري أيضاً.

لايوجد صوت