وحاصل الكلام:
ما دام البشر - طبقاً للحقائق المذكورة القاطعة - افضل نتيجة منتَخبة من الكائنات، وأنه أكرم مخلوق لدى الخالق الكريم، وان الحياة الباقية تقتضي وجود الجنة وجهنم بالبداهة، فتستلزم المظالم التي ارتكبتها البشرية حتى الآن وجود جهنم، كما تستلزم ما في استعداداته الكمالية المغروزة في فطرته وحقائقه الايمانية التي تهم الكائنات بأسرها وجود الجنة بالبداهة، فلابد، ولامحالة ان البشر لن يهضموا ولن يغفروا الجرائم التي ارتكبت خلال الحربين العظيمتين والتي جرت الويلات والمصائب على العالم باجمعه واستقاءت زقوم شرورها التي استعصت على الهضم فلطّخت وجه الارض، وتركت البشرية تعاني البؤس والشقاء وهدمت صرح المدنية الذي بنته البشرية طوال الف عام. فما لم تقم قيامة مفاجئة على البشرية فاننا نرجو من رحمة الرحمن الرحيم، ان تكون الحقائق القرآنية وسيلة لانقاذ البشرية من السقوط الى أسفل سافلين، وتطهّر وجه الارض من الادناس والادران وتقيم سلاماً عاماً شاملاً.
الكلمة الثانية
"اليأس داء قاتل"
ان مما املت عليّ تجاربي في الحياة وتمخض فكري عنه هو: ان اليأس داء قاتل، وقد دبّ في صميم قلب العالم الاسلامي. فهذا اليأس هو الذي اوقعنا صرعى -كالاموات- حتى تمكنت دولة غربية لايبلغ تعدادها مليوني نسمة من التحكم في دولة شرقية مسلمة ذات العشرين مليون نسمة فتستعمرها وتسخرها في خدمتها.. وهذا اليأس هو الذي قتل فينا الخصال الحميدة وصرف انظارنا عن النفع العام وحصرها في المنافع الشخصية.. وهذا اليأس هو الذي أمات فينا الروح المعنوية التي بها استطاع المسلمون ان يبسطوا سلطانهم على مشارق الارض ومغاربها بقوة ضئيلة، ولكن ما ان ماتت تلك القوة المعنوية الخارقة باليأس حتى تمكّن الاجانب الظلمة -منذ اربعة قرون- ان يتحكموا في ثلاثمائة مليون مسلم ويكبلوهم بالاغلال.
بل قد اصبح الواحد بسبب هذا اليأس يتخذ من فتور الآخرين وعدم مبالاتهم ذريعة للتملص من المسؤولية، ويخلد الى الكسل قائلاً: "مالي وللناس، فكل الناس خائرون مثلي" فيتخلى عن الشهامة الايمانية ويترك العمل الجاد للاسلام.