رواياتهم لا تحتاج الى تزكية، كل ما رووه من الاحاديث عن النبيy صحيح". فهذه الحقيقة المذكورة حجة قاطعة على إتفاق هؤلاء العلماء.
وهكذا فان الانقلاب العظيم الذي حدث في خير القرون ادّى الى أن يكون البون شاسعاً بين الصدق والكذب كما هو بين الكفر والايمان. الاّ أنه بمرور الزمن قد تقاربت المسافة بين الصدق والكذب، بل اعطت الدعايات السياسية احياناً رواجاً اكثر للكذب. فبرز الكذب والفساد في الميدان واصبح لهما المجال الى حدٍ ما.
وبناءً على هذه الحقيقة فان احداً من الناس لايمكن ان يبلغ مرتبة الصحابة الكرام.
نكتفي هنا بهذا القدر ونحيل القارئ الكريم الى رسالة الصحابة التي هي ذيل الكلمة السابعة والعشرين رسالة "الاجتهاد".
ايها الاخوة في هذا الجامع الاموي ويا اخوتي الاربعمائة مليوناً من المؤمنين بعد اربعين عاماً في جامع الاسلام الكبير.
لا نجاة الاّ بالصدق، فالصدق هو العروة الوثقى، أما الكذب للمصلحة فقد نَسخَه الزمان، ولقد أفتى به بعض العلماء "مؤقتاً" للضرورة والمصلحة، الاّ أن في هذا الزمان لا يعمل بتلك الفتوى. إذ اُسئ استعماله الى حد لم يعد فيه نفعٌ واحد الاّ بين مئةٍ من المفاسد. ولهذا لا تُبنى الاحكام على المصلحة.
مثال ذلك: ان سبب قصر الصلاة في السفر هو المشقة، ولكن لا تكون المشقة علة القصر. اذ ليس لها حدّ معين، فقد يُساء استعمالها، لذا لاتكون العلة الاّ السفر. فكذلك المصلحة لا يمكن ان تكون علّة للكذب لأنه ليس للكذب حدّ معين، وهو مستنقع ملائم لسوء الاستعمال، فلا يناط به الحكم. وعلى هذا فالطريق اثنان لاثالث له: "اما الصدق واما السكوت" وليس الصدق او الكذب او السكوت قطعاً.
ثم ان انعدام الأمن والاستقرار في الوقت الحاضر بالكذب الرهيب الذي تقترفه البشرية وبتزييفها وافتراءاتها، ما هو إلاّ نتيجة كذبها وسوء استعمالها للمصلحة، فلا مناص للبشرية إلاّ سدّ ذلك الطريق الثالث، وإلاّ فان ما حدث خلال نصف هذا القرن من حروب عالمية وانقلابات رهيبة ودمار فظيع قد يؤدي الى أن تقوم قيامة على البشرية.
أجل! عليك ان تصدق في كل ما تتكلمه ولكن ليس صواباً ان تقول كل صدق، فاذا ما ادّى الصدق احياناً الى ضرر فينبغي السكوت. اما الكذب فلايسمح له قطعاً.
عليك ان تقول الحق في كل ما تقول ولكن لا يحق لك أن تقول كل حق، لأنه ان لم يكن الحق خالصاً فقد يؤثر تأثيراً سيئاً، فتضع الحق في غير محله.