به، فلأجل هذا المعنى افادتنا اقامة حد واحد طوال خمسين سنة اكثر من سجنكم في كل يوم! ذلك لأن عقوباتكم التي تجرونها باسم العدالة لايبلغ تأثيرها إلاّ في وهمكم وخيالكم، اذ عندما يقوم احدكم بالسرقة يَرِد الى خياله العقاب الذي ما وضع إلاّ لأجل مصلحة الامة والبلاد ويقول ان الناس لو عرفوا باني سارق فسينظرون اليّ نظرة ازدراء وعتاب، واذا تبين الأمر ضدّي ربما تزجّني الحكومة في السجن.. وعند ذلك لاتتأثرُ الاّ قوته الواهمة تأثراً جزئياً، بينما يتغلب عليه الميل الشديد الى السرقة والنابع من النفس الامارة والاحاسيس المادية - لاسيما ان كان محتاجاً - فلا ينفعه عقابكم لإنقاذه من ذلك العمل السئ. ثم لأنه ليس امتثالاً للأمر الالهي فليس هو بعدالة، بل باطل وفاسد بطلان الصّلاة بلا وضوء وبلا توجّه الى القبلة، أي أن العدالة الحقة والعقاب الرادع انما يكون اذا اُجريت امتثالاً للأمر الالهي وإلاّ فان تأثير العقاب يكون ضيئلاً جداً.
فاذا قست على هذه المسألة الجزئية في السرقة سائر الاحكام الالهية تدرك أن: السعادة البشرية في الدنيا مرتهنة باجراء العدالة، ولا تنفذ العدالة الاّ كما بيّنها القرآن الكريم.
(انتهت خلاصة الحكاية).
ولقد اُخطر على القلب أنه:
اذا لم يفق الانسان من غفلته بسرعة، ولم يسترشد بعقله، ويفتح ابواب المحاكم لتنفيذ عدالة الله ضمن حقائق الاسلام، فستنفلق على رأسه قيامات مادية ومعنوية ويسلّم السلاح الى الفوضويين والارهابيين ومَن هم امثال يأجوج ومأجوج!
وهكذا فلقد حكى "سعيد القديم" هذه الحكاية لقسم من النواب المتدينين، وأدرجت قبل خمسة واربعين عاماً في ذيل الخطبة الشامية العربية التي طبعت طبعتين في أسبوع واحد.
والآن فهذه الحكاية والتمثيل الاول، انما هما درسان يستفيد منهما النواب المتدينون الافاضل في الوقت الحاضر أكثر من سابقيهم، فنبيّنهما لهم درساً من دروس العبرة(1).
-----------------------------------------
(1) لقد رجونا من استاذنا ان يدرّسنا في غضون يومين الخطبة الشامية المطبوعة بالعربية، لعدم اتقاننا العربية، فتفضل علينا بشرحها، ونحن بدورنا دوّنا ما قرره علينا، وكان الاستاذ يكرر بعض الجمل
ويعيدها كي يرسخها في اذهاننا، ولما كنا قد وجدنا المثال والحكاية الأخيرة واضحة، فقد ابرزناها مقدماً الى الطلاب الجامعيين والنواب المتدينين، ذلك لأن الاستاذ عندما استهل الدرس قال:
[انني اضعكم امامي بدلاً من المعلمين في ذلك القطار، واضع النواب المتدينين حقاً بدلاً من النواب المتدينين الذين سألوني عن الشريعة قبل خمسة واربعين عاماً، هكذا أتصور الأمر واتكلم في ضوئه.
فنحن نبين ما في هذه الرسالة من معانٍ اولاً لأهل المعرفة والتربية والنواب المتدينين، واذا شاؤوا نبين لهم الدروس التي اخذناها من الاستاذ لدى شرحه الخطبة لنا. واذا ارتأوا نطبعها وننشرها.
كنا نودّ ان نأخذ درساً حول السياسة الاسلامية الدائرة في العالم الاسلامي، ولكن لأن الاستاذ قد ترك السياسة منذ خمس وثلاثين سنة، فان هذه الخطبة -التي تمس السياسة- انما هي درس من دروس (سعيد القديم)].
طلاب النور
طاهرى، زبير، بايرام، جيلان،
صونطور، عبدالله، ضياء، صادق،
صالح، حسني، حمزة