الخطبة الشامية | الكلمة الاولى | 4
(1-47)

فقره وفاقته، ليس الاّ "معرفة الصانع" والايمان به والتصديق بالآخرة، فلا سبيل للبشرية المتيقّظة الى الخلاص من غفوتها سوى الاقرار بكل ذلك.
ومالم يوجد في صَدَفة القلب جوهر الدين الحق، فسوف تقوم قيامات مادية ومعنوية على رأس البشر، وسيكون اشقى الحيوانات وأذلّها.
خلاصة الكلام:
لقد تيقّظ الانسان في عصرنا هذا، بفضل العلوم والفنون ونُذُر الحروب والاحداث المذهلة، وشعر بقيمة جوهر الانسانية واستعدادها الجامع، وادرك ان الانسان باستعداده الاجتماعي العجيب لم يُخلق لقضاء هذه الحياة المتقلّبة القصيرة، بل خُلق للأبد والخلود، بدليل آماله الممتدة الى الابد. وان كل انسان بدأ يشعر - حسب استعداده - أن هذه الدنيا الفانية الضيقة لاتسع لتلك الآمال والرغبات غير المحدودة، حتى اذا قيل لقوّة الخيال التي تخدم الانسانية:
"لك ان تعمّري مليون سنة مع سلطنة الدنيا، نظير قبولك موتاً ابدياً لاحياة بعده اطلاقاً." فلابد ان خيال ذلك الانسان المتيقّظ الذي لم يفقد انسانيته سيتأوه كَمَداً وحزناً - بدلاً من أن يفرح ويستبشر - لفقده السعادة الابدية.
وهذا هو السر في ظهور ميل شديد الى التحري عن الدين الحق في اعماق كل انسان، فهو يبحث قبل كل شئ عن حقيقة الدين الحق لتنقذه من الموت الابدي. ووضع العالم الحاضر خير شاهد على هذه الحقيقة.
لقد بدأت قارات العالم ودوله بعد مرور خمسة واربعين عاماً وبظهور الإلحاد تدرك ادراك كل فرد هذه الحاجة البشرية الشديدة.
ثم ان اوائل اكثر الايات القرآنية وخواتمها، تحيل الانسان الى العقل قائلة: راجع عقلك وفكرك ايها الانسان وشاورهما، حتى يتبين لك صدق هذه الحقيقة. فانظروا مثلاً الى قوله تعالى ﴿فاعلموا.. فاعلم.. أفلا يعقلون.. أفلم ينظروا.. أفلا يتذكرون.. أفلا يتدبرون.. فاعتبروا يا اولى الأبصار..﴾ وامثالها من الايات التي تخاطب العقل البشري. فهي تسأل: لِمَ تتركون العلم وتختارون طريق الجهل؟ لِمَ تعصُبون عيونَكم وتتعامَوْن عن رؤية الحق؟ ما الذي حملكم على الجنون وانتم عقلاء؟ أي شئ منعكم من التفكر والتدبّر في احداث الحياة، فلا تعتبرون ولاتهتدون الى الطريق المستقيم؟ لماذا لا تتأملون ولا تحكّمون عقولكم لئلا تضلوا؟.
ثم تقول ايها الناس انتبهوا واعتبروا! انقذوا انفسكم من بلايا معنوية تنزل بكم باتعاظكم من القرون الخوالي.
يا اخواني الذين يضمهم هذا الجامع الاموي، ويااخواني في جامع العالم الاسلامي! اعتبروا انتم ايضاً! وقيّموا الامور في ضوء الاحداث الجسام التي مرت

لايوجد صوت