ﺍﻟﺸﻌﺎﻋﺎﺕ | الشعاع الحادي عشر | 293
(270-373)

للتوحيد، ولأجل تعريفنا بخالقنا العظيم سبحانه. فقالوا: شكراً لربنا الخالق بغير حد، على هذا الدرس الذي هو الحقيقة السامية عينها، فجزاك الله عنا خير جزاء ورضي عنك.
قلت: ان الانسان ماكنة حيوية، يتألم بآلاف الانواع من الآلام، ويتلذذ بآلاف الانواع من اللذائذ، ومع أنه في منتهى العجز، فان له من الاعداء ما لا يحد سواء الماديين او المعنويين، ومع أنه في غاية الفقر فان له رغبات باطنة وظاهرة لاتحصر، فهو مخلوق مسكين يتجرّع آلام صفعات الزوال والفراق باستمرار.. فرغم كل هذا، فانه يجد بانتسابه الى السلطان ذي الجلال - بالايمان والعبودية - مستنداً قوياً، ومرتكزاً عظيماً يحتمي اليه في دفع أعدائه كافة، ويجد فيه كذلك مدار استمداد يستغيث به لقضاء حاجاته وتلبية رغباته وآماله كافة، فكما ينتسب كلٌ الى سيده ويفخر بشرف انتسابه اليه، ويعتز بمقامه لديه، كذلك فان انتساب الانسان بالايمان، الى القدير الذي لانهاية لقدرته، والى السلطان الرحيم ذي الرحمة الواسعة، ودخوله في عبوديته بالطاعة والشكران، يبدل الأجل والموت من الاعدام الابدي الى تذكرة مرور، ورخصة الى العالم الباقي!. فلكم ان تقدروا كم يكون - هذا الانسان - متلذذاً بحلاوة العبودية بين يدي سيده، وممتناً بالايمان الذي يجده في قلبه، وسعيداً بأنوار الاسلام، ومفتخراً بسيده القدير الرحيم شاكراً له نعمة الايمان والاسلام.
ومثلما قلت ذلك لاخواني الطلبة، اقول كذلك للمسجونين:
ان من عرف الله واطاعه سعيدٌ ولو كان في غياهب السجن، ومن غفل عنه ونسيه شقي ولو كان في قصور مشيدة. فلقد صرخ مظلوم ذات يوم بوجه الظالمين وهو يعتلي منصة الاعدام فرحاً جذلاً وقائلاً: انني لا انتهي الى الفناء ولا أُعدم. بل أُسّرح من سجن الدنيا طليقاً الى السعادة الابدية، ولكني اراكم انتم محكومين بالاعدام الابدي لما ترون الموت فناء وعدماً. فانا اذن قد ثأرت لنفسي منكم. فسلّم روحه وهو قرير العين يردد: لا إله إلاّ الله.
﴿سبحانكَ لا عِلمَ لنا إلاّ ما عَلمتنا إنكَ انت العليمُ الحكيم﴾

* * *

لايوجد صوت