تكراره: (الظالمين.. الظالمين..) وزجره العنيف لهم وانذاره الرهيب من نزول مصائب سماوية وأرضية بذنوبهم ومظالمهم، فيلفت الانظار - بهذا التكرار- الى مظالم لانظير لها في هذا العصر، بعرضه أنواعا من العذاب والمصائب النازلة بقوم عاد وثمود وفرعون. وفي الوقت نفسه يبعث السلوان والطمأنينة الى قلوب المؤمنين المظلومين، بذكره نجاة رسل كرام امثال ابراهيم وموسى عليهما السلام.
ثم ان هذا القرآن العظيم يرشد كل طبقة من كل عصر ارشاداً واضحاً باعجاز رائع مبينا:
ان (الازمنة الغابرة) والعصور المندثرة التي هي في نظر الغافلين الضالين واد من عدم سحيق موحش رهيب، ومقبرة مندرسة أليمة كئيبة، يعرضها صحيفة حية تطفح عبرا ودروسا، وعلما عجيبا ينبض بالحياة ويتدفق بالحيوية من أقصاه الى اقصاه، ومملكة ربانية ترتبط معنا بوشائج وأواصر، فيبينها - باعجازه البديع - واضحة جليلة كأنها مشهودة تعرض أمامنا على شاشة، فتارة يأتي بتلك العصور ماثلة شاخصة أمامنا، وتارة يأخذنا الى تلك العصور.
ويبين بالاعجاز نفسه (الكون) الذي يراه الغافلون فضاء موحشا بلا نهاية، وجمادات مضطربة بلا روح تتدحرج في دوامة الفراق والآلام، يبينه القرآن كتابا بليغا، كتبه الاحد الصمد، ومدينة منسقة عمرها الرحمن الرحيم، ومعرضا بديعا أقامه الرب الكريم لاشهار مصنوعاته. فيبعث بهذا البيان حياة في تلك الجمادات، ويجعل بعضها يسعى لامداد الاخر، وكل جزء يغيث الآخر ويعينه، كأنه يحاوره محاورة ودية صميمة، فكل شئ مسخر وكل شئ انيط به وظيفة وواجب.. وهكذا يلقي القرآن دروس الحكمة الحقيقية والعلم المنور الى الانس والجن والملك كافة فلاريب ان هذا القرآن العظيم - الذي له هذا الاعجاز في البيان - قمين بان يحوز خواص راقية عالية، وميزات مقدسة سامية، امثال: