أقرأني جيداً، بتدبر وامعان.. فقرأتها بدوري خمسمائة مرة في كل يوم. وكتبت تسعاً فقط من انوارها ومراتبها القيمة الغزيرة التي انكشفت لي بعين اليقين، أما تفاصيلها المعروفة بعلم اليقين، لا بعين اليقين، فاحيلها الى رسائل النور.
المرتبة النورية الحسبية الاولى
ان ما فيّ من عشق البقاء، ليس متوجهاً الى بقائي أنا، بل الى وجود ذلك الكامل المطلق والى كماله وبقائه. وذلك لوجود ظلٍ لتجلٍ من تجليات اسمٍ من اسماء الكامل المطلق - ذي الكمال والجمال - في ماهيتي، وهو المحبوب لذاته - اي دون داع ٍ الى سبب - الاّ ان هذه المحبة الفطرية ضلت سبيلها وتاهت بسبب الغفلة، فتشبثت بالظل وعشقت بقاء المرآة.
ولكن ما ان جاءت ﴿حَسبُنا الله ونِعمَ الوَكيل﴾ حتى رفعت الستار. فاحسستُ وشاهدت، وتذوقتُ بحق اليقين: ان لذة البقاء وسعادته، موجودة بنفسها، بل افضل وأكمل منها، في ايماني وإذعاني وإيقاني ببقاء الباقي ذي الكمال، وبأنه ربي وإلهي؛ لأنه ببقائه سبحانه يتحقق لي حقيقة باقية لا تموت، اذ يتقرر بشعور ايماني (أن ماهيتي تكون ظلاً لإسمٍ باقٍ، لإسمٍ سرمدي، فلا تموت) .
وكذا تُشبَع بذلك الشعور الايماني - الباعث على وجود الكمال المطلق وهو المحبوب المطلق - المحبةُ الذاتية، الفطرية الشديدة.
وكذا تُعرف بذلك الشعور الايماني - الذي يخص بقاء الباقي السرمدي ووجوده سبحانه - كمالات الكائنات ومزاياها، ومزايا نوع الانسان بالذات وتُكشف عنها، ويُعلم ان الافتتان الفطري بالكمال يُنقذ من آلام غير محدودة، فيتذوق ويتلذذ.
وكذا يتولد بذلك الشعور الايماني انتسابٌ الى ذلك الباقي السرمدي، وتتولد وشائج مع ملكه عامة بالايمان بذلك الانتساب، فينظر المرء - بنور الايمان - الى مُلكٍ غير محدود كنظره الى ملكه،