اللمعات | اللمعة الثالثة عشرة | 149
(119-150)

غير ان الانسان ينسى، بتلقين من الشيطان، وبما يكمن من الظلم في جبلته، مئاتٍ من حسنات أخيه المؤمن لأجل سيئة واحدة بدرت منه فيبدأ بمعاداته، ويدخل في الآثام. فكما ان وضع جناح بعوضة أمام العين مباشرة يحجب رؤية جبل شاهق، فالحقد كذلك يجعل السيئة – التي هي بحجم جناح بعوضة – تحجب رؤية حسناتٍ كالجبل الشامخ، فينسى الانسانُ حينذاك ذكر الحسنات ويبدأ بعداء اخيه المؤمن، ويصبح عضواً فاسداً وآلة تدمير في حياة المؤمنين الاجتماعية.
وهناك دسيسة اخرى مشابهة لهذه ومماثلة لها في افساد سلامة تفكير المؤمن والاخلال باستقامتها وبصحة النظرة الى الحقائق الإيمانية وهي انه يحاول ابطال حكم مئات الدلائل الثبوتية – حول حقيقة إيمانية – بشبهة تدل على نفيها. علماً ان القاعدة هي: ان دليلاً واحداً ثبوتياً يرجح على كثير من النفي، وان حكماً لشاهدٍ ثبوتي واحد لدعوى، يؤخذ به ويُرجح على مائة من المنكرين النافين.
ولنوضح هذه الحقيقة في ضوء هذا المثال:
بناية عظيمة لها مئات من الابواب المقفلة، يمكن الدخول فيها بفتح باب واحد منها، وعندها تفتح بقية الأبواب، ولا يمنع بقاء قسم من الابواب مقفلة من الدخول في البناية. فالحقائق الإيمانية هي كتلك البناية العظيمة، وكل دليل ثبوتي هو مفتاح يفتح باباً معيناً، فلا يمكن انكار تلك الحقيقة الإيمانية او العدول عنها بمجرد بقاء باب واحد مسدود من بين تلك المئات من الابواب المفتوحة. ولكن الشيطان يقنع جماعة من الناس – بناءً على اسباب كالجهل او الغفلة – بقوله لهم: لا يمكن الدخول الى هذه البناية مشيراً الى أحد تلك الأبواب المسدودة ليُسقط من الاعتبار جميع الادلة الثبوتية، فيغريهم بقوله: ان هذا القصر لا يمكن الدخول فيه ابداً، فانت تحسبه قصراً وهو ليس بقصر، وليس فيه شيء!.

لايوجد صوت