اللمعات | اللمعة السادسة والعشرون | 421
(384-464)

الذي لا يستطيع أن يخلق ذباباً لا يمكنه أن يتدخل في خواطر قلبي، ولن يسمع تضرع روحي. وان الذي لايستطيع أن يخلق السموات لايمكنه ان يهبني السعادة الابدية؛ لذا فان ربي انما هو الذي يسمع – بل يصلح – خواطر قلبي، فمثلما أنه يملأ جو السماء بالغيوم ويفرغها منه خلال ساعة فانه سيبدل الآخرة بهذه الدنيا ويعمر الجنة ويفتح أبوابها لي قائلاً: هيا أدخل!!
فيا اخوتي الشيوخ، ويامن صرفتم جزءاً من عمركم بسوء حظ النفس وشقائها – مثل نفسي – في مغالطات العلوم الاجنبية والفلسفة المظلمة.. اعلموا أن الذي يردده القرآن دوماً من (لا اله الاّ هو) ذلك الامر القدسي، ركن إيماني لا يتزلزل ولا يتصدع ولا يتغير أبداً!! فما اقواه وما اصوبه! حيث يبدد جميع الظلمات ويضمد الجراحات المعنوية.
هذا وان درج هذه الحادثة المطولة ضمن ابواب الرجاء والامل لشيخوختي، لم يكن باختياري، بل لم أكن أرغب درجها هنا، تحاشياً من الملل، الاّ انني استطيع ان اقول قد كُتبتها وأملِيَنْ عليّ.. وعلى كل.. لنرجع الى الموضوع الذي نحن بصدده:
نعم، هكذا جاءني النفور من تلك الحياة الدنيوية البهيجة في استانبول التي ظاهرها اللذة، من ذلك التأمل والنظر في شعيرات بيضاء لرأسي ولحيتي، ومن عدم الوفاء الذي بدر من الصديق الوفي المخلص.. حتى بدأت النفس بالبحث والتحري عن اذواق معنوية بدلا عما افتتنت به من اذواق، فطلبت نوراً وسلواناً في هذه الشيخوخة التي تبدو ثقيلة ومزعجة ومقيتة في نظر الغافلين. فلله الحمد والمنة وألف شكر وشكر له سبحانه أن وفقني لوجدان تلك الاذواق الإيمانية الحقيقية الدائمة في (لا اله الاّ هو) وفي نور التوحيد بدلا من تلك الاذواق الدنيوية التي لا حقيقة لها ولا لذة فيها، بل لا خير في عقباها. وله الحمد أن وفقني كذلك لأجد الشيخوخة خفيفة الظل أتنعم بدفئها ونورها بخلاف ما يراه أهل الغفلة من ثقل وبرودة.

لايوجد صوت