اللمعات | اللمعة الثلاثون | 586
(574-671)

ارتباط احكام القرآن بالكون، وكيف انها مدّت جذوراً عميقة في اغوار الكون فأحاطته بعرىً وثيقة لا انفصام لها. ثم افهم منها ان افساد تلك الحقائق ممتنعٌ كامتناع افساد نظام الكون والاخلال به وتشويه صورته.
ومثلما تستلزم هذه الحقائق المحيطة بالكون، وهذه الانوار العظيمة الثلاثة (العدالة والاقتصاد والطهر) الحشرَ والآخرة فهناك حقائق محيطة معها: كالرحمة والعناية والرقابة، وامثالها مئات من الحقائق المحيطة والانوار العظيمة تستلزم الحشر وتقتضي الحياة الآخرة، اذ هل يمكن ان تنقلب مثل هذه الحقائق المهيمنة على الموجودات والمحيطة بالكون الى اضدادها بعدم مجئ الحشر وبعدم اقامة الآخرة، أي ان تنقلب الرحمةُ الى ضدها وهو الظلم، وتنقلب الحكمةُ او الاقتصاد الى ضدهما وهو العبث والاسراف، وينقلب الطُهر الى ضده وهو العبث والفساد. حاشَ لله..
ان الرحمة الإلهية، والحكمة الربانية اللتين تحافظان على حق حياة بعوضةٍ ضعيفة محافظةً تتسم بالرحمة الواسعة، لا يمكن ان تضيّعا - بعدم اقامة الحشر - حقوق جميع ذوي الشعور غير المحدودين وتهضما حقوقاً غير متناهية لموجودات غير محصورة..
وان عظمة الربوبية التي تُظهر دقة متناهية وحساسية فائقة - اذا جاز التعبير - في الرحمة والشفقة والعدالة والحكمة، وكذا الالوهية الباسطة سلطانها على الوجود كله والتي تريد اظهار كمالاتها وتعريف نفسها وتحبيبها بتزييناتها الكائنات ببدائع صنائعها وبما أسبغت عليها من نِعَمٍ هل يمكن ان تسمح - هذه الربوبية العظيمة والالوهية الجليلة - بعدم اقامة الحشر الذي يسبب الحطّ من قيمة جميع كمالاتها ومن قيمة مخلوقاتها قاطبة؟.
تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. فمثل هذا الجمال المطلق لا يرضى - بالبداهة - بمثل هذا القبح المطلق.
فالذي يريد ان ينكر الآخرة عليه ان ينكر وجود هذا الكون اولاً بجميع ما فيه من حقائق. والاّ فالكائنات مع حقائقها المتأصلة فيها تكذِّبه بالوفٍ من الألسنة، وتثبت له انه الكذّاب الأشر.
وقد أثبتت (رسالة الحشر) بدلائل قاطعة: ان وجود الآخرة ثابت وقاطع لاريب فيه كوجود هذه الدنيا.

لايوجد صوت