﴿يَخْلُقُ ما يَشَاءُ﴾(الروم:54)
﴿بِيَدِهِ مَلكُوت كلِّ شىءٍ﴾(يس:83)
﴿فانْظُر الى آثارِ رَحْمتِ الله كَيْفَ يُحيي الأرض بَعْدَ مَوتِهَا﴾(الروم:50)
حينما ننظر الى الكائنات بعين التأمل، نرى: ان المخلوقات تضطرب في خضم سيل الزمان وتتعاقب قافلةً إثر قافلة. فقسمٌ منها لا يلبث ثانية ثم يغيب، وطائفة منها تأتي لدقيقة واحدة ثم تمضي الى شأنها. ونوع منها يمر الى عالم الشهادة مر الكرام ثم يلج في عالم الغيب بعد ساعة. وقسم منها يحط رحلَه في يومٍ ثم يغادر، وقسم منها يمكث سنة ثم يمضي، وقسم يمضي عصراً ثم يرحل، وآخر يقضي عصوراً ثم يترك هذا العالم.. وهكذا فكلٌ يأتي ثم يغادر بعد اداء مهمته الموكولة اليه.
فهذه السياحة المذهلة للعقول، وذلك السيل الجاري للموجودات والسفر الدائب للمخلوقات، انما تتم بنظام متقن وميزان دقيق وحكمة تامة، والذي يقود هذه الرحلة المستمرة ويمسك بزمامها، يقودها ببصيرة ويسيّرها بحكمة، ويسوقها بتدبير بحيث لو اتحدت جميع العقول واصبحت عقلاً واحداً لما بلغ معرفة كنه هذه الرحلة ولا يصل الى ادراك حكمتها، ناهيك عن ان يجد فيها نقصاً او قصوراً.
وهكذا ضمن هذه الخلاقية الربانية يسوق الخالق تلك المصنوعات اللطيفة المحبوبة اليه - ولاسيما الاحياء - الى عالم الغيب دون ان يمهلها لتتفسح في هذا العالم. ويعفيها من مهماتها في حياتها الدنيوية دون ان يدعها تنشرح وتنبسط، فيملأ دار ضيافته هذه بالضيوف ويخلّيها منهم باستمرار دون رضاهم، جاعلاً من الكرة الارضية ما يشبه لوحة كتابة - كالسبورة - يكتب فيها باستمرار قلم القضاء والقدر كتاباته ويجددها، ويبدلها، بتجليات مَن(يُحيي ويُميت).
وهكذا، فان سراً من اسرار هذه الفعالية الربانية وهذه الخلاًقية