ملحق أميرداغ -1 | المكتوب السابع والعشرون | 27
(1-85)

فيا ايها الشقاة الذين يتلذذون من الغفلة المسكرة الناشئة من متابعة الحوادث الخارجية نتيجة الفضول والاهتمام!
لو كان الفضول والاهتمام وحب الاستطلاع المغروز في فطرة الانسان هو الذي يدفعكم - من حيث الانسانية - الى هذا التتبع والاهتمام، وعلى حساب الوظائف الجليلة الضرورية المفروضة. نعم، لو قلتم ان هذه ايضاً حاجة فطرية معنوية. فانا أقول:
فكما ان الانسان يثار لديه الفضول وحب الاستطلاع عندما يشاهد انساناً ذا رأسين او ذا ثلاثة ارجل بينما لا يهتم بخلق الانسان السوي الحافل بالمعجزات ولا ينعم النظر فيه.
كذلك الحوادث الجارية في البشرية تلفت نظر الانسان اليها حيث تغطي مساحة واسعة من الاخبار بينما هي حوادث فانية موقتة بل مدمّرة في هذا العصر. علما ان هناك مائة الف امة وامة من امثال نوع البشر تعيش معه على سطح الارض. فلو راقبنا مثلاً امة واحدة منها في فصل الربيع ولتكن النحل او العنب لرأينا انفسنا امام معجزات عظيمة جداً تستحق ان تلفت اليها الانظار اكثر مما تستحقه تلك الحوادث البشرية بأضعاف اضعاف المرات. بل هي تحرك الفضول والاهتمام - لدى انعام النظر فيها - وتورث الانسان لذائذ روحية واذواقاً معنوية.
لذا فليس صحيحاً الاّ يُعبأ بتلك اللذائذ المعنوية الحقيقية وتركها، والالتفات الى حوادث بشرية مضرة شريرة عرضية غير اصيلة، ومن ثم الالتصاق بها عقلاً وروحًا، وبذل الاهتمام البالغ بها.
نعم لا يصح ذلك قطعاً الاّ اذا كانت الدنيا خالدة ابدية، وتلك الحوادث دائمة مستمرة، والضر والنفع يأتيان منها، والقائمون بها لهم القدرة على الايجاد والخلق.. والحال ان تلك الحالات حالات طارئة مضطربة عابرة كهبوب الرياح، وتأثير المسببين فيها تأثير عرضي غير حقيقي فضلاً عن انه جزئي. اما منافعها واضرارها فلا تأتي من الشرق ولا من البحر المحيط، بل ممن هو اقرب اليك من حبل الوريد وممن يحول بين المرء وقلبه، وممن يربيك ويدبر شؤونك.. ذلك الرب الجليل .. أليس من البلاهة ألاّ تهتم بربوبيته وحكمته؟

لايوجد صوت