ان وظيفة سامية جليلة من وظائف الهواء، هي كونه وساطة انتشار الكلمات الطيبة، وأقوال الايمان، ذات الحقائق والمغزى الحكيم، كما تتوضح بالآية الكريمة ﴿اليه يصعد الكَلمُ الطيب..﴾(فاطر:10) حتى يغدو الهواء صحيفة من صحائف القدرة الالهية، تتبدل تلك الصحيفة باستنساخ قلم القدر فيها وانتشار تلك الكلمات باذن إلهي، وذلك لاجل إسماع الملائكة والروحانيات في كرة الهواء كلها حتى صعودها الى العرش الاعظم.
فما دامت وظيفة الهواء المهمة السامية، وحكمة خلقه، تكمن في هذا.. وقد أَضحى سطح الارض شبيها بمنزل واحد، بوساطة الراديو -هذه النعمة الالهية العظيمة التي أسديت الى البشرية- فلا شك أن البشرية ستقدم شكراً شاملا عاما لربها تجاه ما أنعم عليها من نعمة كبرى، فتجعل تلك النعمة -نعمة الراديو- قبل كل شئ وسيلة لنقل الكلمات الطيبة، من قرآن كريم وحقائقه أولاً، ومن دروس الايمان والاخلاق الفاضلة، والكلام النافع الضروري للحياة البشرية.
اذ لولا هذا الشكر -أي إن لم تجد تلك النعمة شكراً مثل هذا- فستصبح تلك النعمة نقمة للبشرية. اذ كما ان الانسان محتاج للاستماع الى الحقائق فهو محتاج أيضا الى شئ من اللهو والترفيه، ولكن يجب ان تكون حصة هذا الترفيه المفرح الخُمْس مما ينقله الهواء. وبخلافه تقع منافاة لسر حكمة الهواء، حيث يؤدي الى دفع الانسان الى أحضان الكسل وحب الراحة والخمول والسفه، ويسوقه الى عدم إتمامه وظائف ضرورية له وتركها ناقصة غير كاملة.. وعندها ينقلب ما كان نعمة عظمى الى نقمة عظمى، بما ثبط من شوق الانسان نحو العمل الضروري له.
تأملت في هذا الراديو الصغير الذي أمامي. وقد أتوا به الى غرفتي لاستمع الى القرآن الكريم. فاذا هو ماكنة صغيرة ضمن صندوق صغير، فرأيت أن هناك حصة واحدة فقط للكلام الطيب من بين عشر حصص للهو والترفيه، فعلمت ان هذا خطأ يرتكبه الانسان. وسيصلح باذن الله خطأه هذا ويقوّمه في المستقبل. فيجعل الراديو مدرسة ايمانية، وذلك بجعله حصة الكلام الطيب أربعة أخماس جميع الحصص، شكراً عاما تجاه نعمة الراديو هذه، وتوجيه تلك النعمة لصالح حياة الانسان الخالدة.
النقطة الثانية: