ثانيا:
ان مصيبة النسيان التام التي المّت بي من جراء التسميم، قد تحولت بفضل الله الى نعمة ورحمة ومفتاح لكشف عدد من الحقائق. فاعلمكم بهذا لئلا تتألموا كثيراً على حالي، رغم اني ارجو دعواتكم بكل ما املك.
نعم! لقد قرأت الآن رسالة "المناجاة" التي هي في مستهل مجموعة "سراج النور" فلاحظت ان كثيرا من الحقائق تتستر تحت حجب الالفة والعادة والاطراد.
وحيث ان الملحدين من اهل الغفلة واهل الطبيعة والفلسفة خاصة، لا يرون كثيرا من معجزات القدرة الالهية المحجوبة تحت حجاب قوانين الله ونواميسه الجارية في الكون، تراهم يسندون حقيقة جليلة الى سبب اعتيادي تافه، ويحملونها عليه. فيسدون بهذا الطريق المؤدي الى معرفة القدير سبحانه في كل شئ. بل يعمون أبصارهم عن النعم التي وضعها المنعم في كل شئ، فلا يرونها، ويسدّون أبواب الشكر والحمد.
فمثلا: ان القدرة الالهية الجليلة مثلما تستنسخ كلمة واحدة مليون بل مليار مرة في آن واحد، وذلك بتجليها على صحيفة الهواء. فكل كلمة طيبة ايضاً تستنسخ برمز الآية الكريمة ﴿اليه يصعد الكلم الطيب﴾(فاطر:10) في كرة الهواء المحيطة بالارض، وفي آن واحد - في حكم بلا زمان - بقلم القدرة الالهية. وقد تسترت معجزة عجيبة من معجزات القدرة في كرة الهواء كأنها لوحة محو واثبات للحقائق المقبولة المعنوية، تسترت بستار الالفة عن انظار الغافلين منذ زمن آدم عليه السلام.
وقد اثبتت تلك المعجزة نفسها في الوقت الحاضر بوساطة جهاز سموه "الراديو" بحيث ان تجلياً للقدرة الازلية المطلقة التي يضم علماً مطلقاً وحكمة مطلقة وارادة مطلقة، حاضر وناظر في كل ذرة من ذرات الهواء. اذ ان الكلمات المختلفة التي لا حدود لها تدخل الاذن الصغيرة للذرة وتخرج من لسانها الدقيق، دوناختلاط او التباس، لا خلل ولا تحير.
بمعنى انه لو اجتمعت الاسباب كلها، لا تستطيع بحال من الاحوال ان تظهر تجلي القدرة الازلية في هذه الوظيفة الفطرية لذرة واحدة.. ولما كانت الاسباب لا دخل لها مطلقا في اظهار الصنعة البديعة المعجزة في آذان تلك الذرة الصغيرة التي لا تعد وفي السنتها الدقيقة التي لا تحصى ، فان اهل الضلال والغفلة