ملحق أميرداغ -2 | المكتوب السابع والعشرون | 36
(1-86)

على الرغم من ان سعيداً القديم فقير الحال منذ ايام طفولته، كما ان والده فقير الحال، فان عدم قبوله الصدقات والهدايا من الاخرين، بل عدم استطاعته قبولها، الا بمقابل، رغم حاجته الشديدة جدا، وعدم ذهاب "سعيد" قط في اي وقت من الاوقات لاخذ الارزاق من الناس وعدم تسلمه الزكاة من احد - عن علم - كما كانت العادة جارية في كوردستان، حيث كانت ارزاق طلاب العلم تدفع من بيوت الاهلين وتسد مصاريفهم من اموال الزكاة.
اقول اني على قناعة تامة الآن من ان حكمة هذا الامر هي:
عدم جعل رسائل النور -التي هي خدمة سامية خالصة للايمان والآخرة- في آخر ايامي وسيلة لمغانم الدنيا، وعدم جعلها ذريعة لجر المنافع الشخصية.
فلاجل هذه الحكمة اُعطيتْ لي هذه الحالة، حالة النفور من تلك العادة المقبولة وتلك السجية غير المضرة، والهروب منها، وعدم فتح يد المسألة من الناس. فرضيت بالعيش الكفاف وشدة الفقر والضنك. وذلك لئلا يفسد الاخلاص الحقيقي الذي هو القوة الحقيقية لرسائل النور.
واشعر كذلك ان في هذا الامر اشارة فيها مغزى ، بان هذه الحاجة هي التي تدفع اهل العلم الى الانهماك بهموم العيش حتى يغلبوا على امرهم في الزمان القابل.
الانموذج الرابع:
بينما كان سعيد الجديد يجهد في ان يجنب نفسه ايام شيخوخته عن السياسة وامر الدنيا كليا، فان اهل الدنيا خلافا لكل القوانين والاعراف والانصاف والوجدان بل خلافا للانسانية، انزلوا به اقسى ضربات الظلم الشنيع طوال ثمان وعشرين سنة، فقاسى ذلك الضعيف، سعيد، امر العذاب وتحمل اشدالعنت منهم مع انه ما كان يتحمل اذى الذباب، وذلك بما وهب له سبحانه من الصبر العظيم والتحمل الذي لا مثيل له لاذى الاهانات الشنيعة. وعلى الرغم من مزاجه العصبي ورهافة حسه وعدم التخوف في فطرته، والجرأة التي يحملها من ايمانه بحقيقة ان الاجل واحد لا يتغير، فان صبره وسكوته في حالة في غاية من المسكنة والخوف، بل منح الفرح والانشراح لروحه بعد معاناته تلك الانواع من التعذيب والاهانات.. اقول ان حكمة واحدة من هذا الامر هي الآتية كما اقتنعت بها قناعة تامة:
عدم جعل رسائل النور التي تفسر حقائق القرآن الحكيم الايمانية، وسيلة لاي شئ كان -عدا مرضاة الله- اذ قد أشاع اهل السياسة شبهة استغلال

لايوجد صوت