ان سبباً خادعاً للظاهريين هو: إلتباس علاقة القصة بالعبرة المرادة منها، واقتران المقدمة بالمقصود في الذهن، والاقتران الحاصل في الوجود الخارجي.
لاحظ هذه النقطة فانك تحتاج اليها فيما بعد.
ثم ان احد الاسباب المولدة للفوضى والموقعة في الاختلافات والموجدة للخرافات والمنتجة للمبالغات - بل أهم سبب لها - هو عدم القناعة والاطمئنان بما خُلق في العالم من حسن وعظمة وسمو. والذي يعني الاستخفاف بالنظام بذوق فاسد. حاشَ لله.
ان حسن الانتظام والعظمة والعلو المودعة في حقائق العالم، التي كل منها أبهر معجزة من معجزاتالقدرة الالهية في نظر العقل والحكمة، قد أبدعتها يد الحكمة الالهية ابداعاً في غاية الروعة بحيث لو قورن بها مايمرّ في خيال عشاق الخيال والمبالغين من حسن وكمال خارقين، لبقيت تلك الخيالات الخارقة، اعتيادية جداً. ولبدت تلك السنن الالهية خارقة حقاً، في غاية الحسن ومنتهى الكمال والعظمة. الاّ ان الألفة - التي هي أخت الجهل المركب وأم النظر السطحي - هي التي عصبت عيون المبالغين.
ولا يفتح تلك العيون المعصوبة الاّ أمر القرآن الكريم بالتدبر والتأمل في الآفاق والأنفس المألوفتين.
نعم! ان نجوم القرآن الثاقبة هي التي تفتح الابصار وترفع ظلام الجهل وظلمات النظرة العابرة. اذ تمزق الآيات البينات بيدها البيضاء حجاب الالفة والنظر السطحي وأستار التشبث بالظاهر المحسوس، فتوجّه العقول وترشدها الى حقائق الآفاق والأنفس.
ثم ان مما يولد الرغبة في المبالغة، حاجة الانسان الفطرية الى اخراج ميله من طور القوة الى طور الفعل(1). اذ من ميوله: رؤية العجائب المحيّرة واراءتها والرغبة في التجدد والايجاد. وبناءً على هذا:
-----------------------------------------------------------
(1) طور القوة اي الكامن المستتر في الشئ. اما طور الفعل فهو الوضع المشاهد الظاهر. المترجم.