أيها الاولاد التافهون والخلف المتبذّرون، أأنتم زبدة حياتنا ونتيجتها؟ هيهات.. لقد جعلتمونا أسوةً عقيمة وتركتمونا عاقرين..!!. وكذا، أفلا يقول اولادكم الذين اصطفوا يساراً والمقبلون من مدنية المستقبل، مصدقين اجدادكم المصطفين يميناً:
أيها الآباء الكسالى!.. أ أنتم تمثلون حياتنا كلها دقّها وجلّها، أمَ أنتم رمزها والحد الأوسط لرابطتنا مع اولئك الاجداد الأشاوس؟ هيهات لَكَمْ اصبحتم انتم أنموذجاً تافهاً وعيّنة لا حقيقة لها وقياساً ذا إلتباس واختلاط(1).
فيا أيها البدو الرحل ويا أدعياء الانقلاب(2).
لقد رأيتم على لوحة الخيال(3) أن الطرفين معاً قد أقاما الحجة عليكم في هذا الاجتماع.
س: نحن لانستحق هذا القدر من الاهانة والتحقير. نقطع على أنفسنا عهداً على اننا لانتقاعس عن التمسك بالأَخلاف ولانتشبث بأذيال الأسلاف [ففتحنا السمع لكلامك فمرحباً به].
ج: يمكنكم الآن أن تعودوا الى وظيفتكم في طرح الاسئلة لأنكم أظهرتم الندامة.
س: هل بحث علماء السلف عن مساوئ الاستبداد؟(4).
ج: نعم، وألف مرة نعم. ان أغلب الشعراء في قصائدهم وكثيراً من المؤلفين في ديباجات كتبهم، شكوا من الزمان واعترضوا على الدهر وهجموا على الفَلَك(1) وداسوا الدنيا بالاقدام وسحقوها...
فاذا استمعتم اليهم بأذن القلب ونظرتم اليهم بعين العقل لرأيتم أن سهام الاعتراضات جميعها لاتستهدف ولاتصيب الاّ صدر الاستبداد الذي تلففَ وتزمّلَ بستار الماضي المظلم. ولسمعتم الصراخات والآهات جميعها انما تصدر من تحت مخالب الاستبداد، ومع ان الاستبداد لم يكن يُرى، ولم يكن يُعلَم اسمه ومعناه، الاّ أن أرواح الجميع كانت تتسمّم بمعناه، وتتألم به، وتعلم أن هناك أحداً ينفث السم. حتى ان بعض الدهاة كلما كان يتنفس كان يصرخ صراخاً من الاعماق، الاّ أن العقل ماكان ليدرك ماهيته جيداً، اذ كان مُنبثاً في الظلمات غير متجمع على حال.
----------------------------------------------------------
(1) من عبارات علم المنطق. وقد قالها لحضور مجلس طلابه الذين تلقوا في وقتها درساً في المنطق - المؤلف.
(2) أضيف مؤخراً - المؤلف.
(3) فالخيال بدوره مثل المشاهد السينمائية - المؤلف.
(4) ان ذلك الدرس الذي القي قبل اربعين سنة لهو درس ضروري في الوقت الحاضر كذلك، اذ ان هذه المحاورة الدائرة بين السؤال والجواب قادرة على مواكبة الحياة وتعيش حية في كل وقت وهي نابضة بالحياة الآن - المؤلف.
(1) الفلك: يعني الدهر، ايام الحياة، الحياة المقدّرة على الانسان - المترجم.