لذا عندما ظنوا البلايا - المحال ازالتُها - مصائب سماوية، بدأوا بشن الهجوم على الزمان وصنع الدهر وصوّبوا سهاماً نحو صدر الفَلَك، اذ من القواعد المقررة انه: اذا خرج أمرٌ من دائرة الجزء الأختياري، ومن الجزئية ودخل الدائرة الكلية العمومية، أو كان دفعه محالاً بحسب العادة يُسند الى الزمان، ويُلقى اللوم على الدهر، وترمى قبة الفلك بالحجارة، واذا أنعمت النظر جيداً لرأيت ان الاحجار الآيبة تنقلب يأساً وتتحجر في القلب [انظر كيف أطالوا فيما لايلزم وكلما اضاءت لهم السعادة أثنوا على مَن سادهم، وكلما أظلم عليهم شتموا الزمان](2).
س: أما تكون الشكوى من الزمان والاعتراض على الدهر اعتراضاً على بدايع صنعة الصانع جلّ جلاله؟
ج: كلا، ثم كلا، بل ربما تعني الشكوى ما يأتي:
كأن الشاكي يقول: ان ماهية العالم المنظمة بدستور الحكمة الأزلية غير مستعدة لانجاز الأمر الذي أطلبه، والشئ الذي أبغيه، والحالة التي اشتهيها، ولايسمح به قانون الفلك المنقش بيد العناية الأزلية، ولاتوافقه طبيعة الزمان المطبوعة بمطبعة المشيئة الأزلية، ولا تأذن له الحكمة الإلهية المؤسّسِة للمصالح العامة.. لذا لا يقطف عالمُ الممكنات من يد القدرة الإلهية تلك الثمرات التي نطلبها بهندسة عقولنا وتَشَهّي هوانا وميولنا. وحتى لو أعطتها لَماَ تمكن من قبضها والاحتفاظ بها، ولو سقطتْ لَمَا تمكّن من حملها. نعم لا يمكن أن تسكن دائرة عظيمة عن حركاتها المهمة لاجل هوى شخص...
س: ما تقول في كثير من الشعراء والعلماء الذين أفرطوا - في زمانهم - في الثناء على الامراء والحكام؟ مع انك تنظر الى كثير منهم نظرك الى مستبدين؟ فاذاً قد أساءوا العمل.
ج: [ولولا خلال سنّة الشعر مادرى بُناة المعالي كيف تُبنى المكارم]
كانت نواياهم حسب هذه القاعدة هي حض الأمراء - بحيلة لطيفة - على الترفع عن السيئات، وجعلهم يتسابقون في مضمار الحسنات بادخال المكافأة الشعرية موضع التسابق في الأوساط، ولكن لما كانت تلك المكافأة الشعرية قد سُلِبتْ من عرق جبين أمة عظيمة فقد تصرفوا تصرفاً مستبداً، أي انهم قد أساءوا في العمل وان أحسنوا في النيّة.
س: لِمَ ؟.
-------------------------------------------------
(2) تمهل، لاتغادر هذه الفقرة، ادركها جيداً. وهي تعني: انهم يمنحون الحسنات الى الرؤساء ويلصقون السيئات بالزمان، فيبدون شكواهم بالشتم - المؤلف.