ج: أفلا ترون ان محصل كلامهم في قصائدهم وبعض مؤلفاتهم إنما هو غصبٌ ضمني لمحاسن قوم عظيم وإغارة عليها، ثم اهداء تلك المحاسن الى شخص مستبد. فباظهارهم أن تلك المحاسن صادرة منه، أثنوا على الاستبداد - من هذه الزاوية - دون أن يشعروا.
س: نحن معاشر الاتراك والاكراد لنا من الشجاعة ما يملأ قلوبنا، بل ملء أجسادنا.. بل انبسطت حتى تجلّت بين هذه الوديان جبالاً محصنة لنا، ولنا من الذكاء ما يملأ رؤوسنا، ولنا من الغيرة ما يملأ صدرونا، ولنا من الطاعة ما يملأ أبداننا وجوارحنا، فأفرادنا يملأون الأودية حياةً وتتزين بهم الجبال(1) فما بالنا بقينا هكذا سافلين مفلسين أذلاء، حتى صرنا لقىً على الطريق يدوسنا الممتطون للرقي والسارعون المجدون للمستقبل، مع ان الامم المجاورة، وان كانوا أقلّ منا عدداً وأقصر منا قوة، الاّ انهم يتطاولون علينا [ان ركسهم يغلب طاهرنا](2).
ج: أما حينما انفتح بالمشروطية باب للتوبة وتاب الكثيرون، فليس لي حق في توبيخ الرؤساء وتعنيفهم، الاّ انني ألقم السابقين وأعنيهم، فان انجرح شعور البعض واحترامه فليعذرني، إذ احترام الحق وعدم جرحه أولى، فاحترام شعور الملّة أعلى وأغلى شأناً منهم. اعلموا أن سبباً مهماً لذلك التدني هو بعض الرؤساء والخدّاعون المتظاهرون بالحميّة ممن يدّعون الفداء والتضحية للأمة، أو قسم من المتشيخين المدّعين غير المؤهلين للولاية.
فهذه السنّة السيئة المخالفة للسنة النبوية السنيّة هي الأخرى من سيئات الاستبداد.
س: كيف ؟
ج: ان لكل أمة من الأمم حوضاً معنوياً يشكل جسارة الأمة، ويصون عرضها، وتجتمع فيه قوتها. ولها كذلك خزينة معنوية تشكل سخاء الأمة، وتضمن منافعها العامة. وتخزن فيها ما فضل من الأموال. فالقسمان المذكوران من الرؤساء -بعلم أو بدون علم- فد فتحوا ثغرات وثقوباً في جوانب ذلك الحوض وتلك الخزينة. وسحبوا موارد البقاء وأَسالوا مادة الحياة، فجففوا الحوض وأفرغوا الخزينة، فاذا استمر الأمر على هذا المنوال فستنهار الدولة تحت غَلَبة الديون البالغة المليارات، فكما أن الرجل اذا فقد كلاً من قواه الغضبية -الدافعة- وقواه الشهوية -الجاذبة- يصبح ميتاً وان كان حياً يرزق.. وكما أن القطار اذا ثقب
------------------------------------------------------
(1) اذاً لم تفتر قوتهم المعنوية - المؤلف.
(2) اذا أردت فأنعم النظر، فان العبارة تشير الى (وارتكس) (عضو المبعوثان) من الأرمن والسيد (ملا طاهر) النائب عن (حكاري) في ذلك الوقت - المؤلف.