س: فلماذا اذن لايبوح فدائيهم بأسراره ولايفشي عن أخيه شيئاً ولو قطّع إرباً إرباً وأحرق حرقاً، بينما لو طُعن شجاع منكم يفرش اسراره جميعاً مع دمه المهراق... فما سبب هذا التفاوت العظيم في الشجاعة؟...
ج: نحن لانعرف كنه ماهيته، ولكننا نعلم ان ثمة شيئاً يصيّر الذرة جبلاً ويخضع الأسد للثعلب، فذلك وظيفتك -في الاجابة- نحن لانطيق حملها، فقد عرفنا وجود ذلك الشئ فعليك بشرح ماهيتنا.
ج: فاستمعوا اذاً، وافتحوا آذانكم جميعاً، فان همة أرمني متيقظ بالفكر الملّي، هي مجموع أمته، وكأن أمته قد صغرت واصبحت نفسَه أو استقرت في قلبه، فمهما كانت روحه عزيزة وغالية عنده الاّ أن أمته أعظم عنده وأعزّ. وحتى لو كان له ألف روح لضحّى به مفتخراً لما يحمل من فكر سامٍ -بالنسبة اليه- علماً أن أقصى ما كان يتصوره اشجعكم في السابق -ولا أقصد الحاليين- الذي لم يك متيقظاً ولا داخلاً في النور، ولاعالماً بشرف الملّة الاسلامية، هو مجرد شرف نفسه أو نفعها، أو شرف عشيرته أو رئيسها، فاذن ينظر بنظر قصير ويفكر بتفكير قاصر. فلا جرم قليلٌ مَن يُفدي روحه العزيزة لمثل هذه المقاصد الصغيرة..
فلو تصورتم وفكّرتم بالملّية الاسلامية(1) مثل ما ينظرون بملّيتهم الى الأمور. لأعلنتم على رؤوس الأشهاد في العالم شجاعتكم وبسالتكم ولسموتم الى العلا، ولو تصور الأرمن وفكّروا مثلكم تفكيراً سطحياً وقاصراً لكانوا لقىً أذلاء.
حقاً، إن لكم استعداداً لشجاعة لاتجارى ولبسالة لاتمارى، بدليل أن أحدكم يستخف حياته ويفدي روحه رخيصة لصغائر الامور -كمنفعة بسيطة او عزة جزئية أو شرف رمزي اعتباري أو ليقال أنه جَسور أو لأستعظام شرف رئيسه. فكيف اذا تنبّه هؤلاء.. ألا يستخفّون بحياتهم فداءً للملّة الاسلامية- التي لاتقدّر بثمن - ولو كانوا مالكين لألف روح اذ تكسبهم أخوةُ ثلاثمائة مليون مسلم ومساندتهم وعونهم المعنوى، فلا غرو أن الذي يضحّي بحياته لعشرة قروش، يضحّي بها بشوق مضاعف لعشر ليرات.
فوا أسفى! انه مثلما انتقلت محاسننا الى غير المسلمين فسجايانا الحميدة هم الذين سرقوها كذلك، وكأن قسماً من اخلاقنا الاجتماعية السامية لم يجد رواجاً عندنا، فنَفَر منا والتجأ اليهم، وان قسماً من رذائلهم لم يلق رواجاً عندهم فجُلب الى سوق جهالتنا.
-----------------------------------------------------------
(1) ان ملّيتنا وجود مستقل بذاته، روحها الاسلام وعقلها القرآن والايمان - المؤلف.