الحمية الملية تنحصر في واحد بالمئة من الناس، ممن يضحي بمنفعته الشخصية لأجل الأمة.
وعليه فلابد أن تكون الحمية الدينية اساساً في الحقوق العامة، وتكون الملية خادمة منقادة لها وساندة حصينة لها.
فنحن الشرقيين لانشبه الغربيين، اذ المهيمن على قلوبنا الشعور الديني؛ فإنّ بعث الانبياء في الشرق يشير به القدرُ الالهي الى أن الشعور الديني وحده هو الذي يستنهض الشرق ويسوقه الى التقدم والرقي، والعصر السعيد - وهو خير القرون والذي يليه - خير برهان على هذا.
فيا زملائي في هذه المدرسة السيارة، أعني القطار، ويا من تسألون عن التفاضل بين الحمية الدينية والملية، وياايها الدارسون في المدارس الحديثة. اني اقول لكم جميعاً:
ان الحمية الدينية والملية الاسلامية قد امتزجتا في الترك والعرب مزجاً لا يمكن فصلهما، وان الحمية الاسلامية هي أقوى وأمتن حبل نوارني نازل من العرش الاعظم، فهي العروة الوثقى لا انفصام لها، وهي القلعة الحصينة التي لا تهدم.
قال ذلك المعلمان:
ما دليلك؟ يلزم لمثل هذه الدعوى الكبيرة حجة عظيمة ودليل قوي. فما الدليل؟.
وفي هذه الاثناء خرج قطارنا من النفق، فأخرجنا رؤوسنا من النوافذ نتطلع الى الخارج، رأينا صبياً لايتجاوز السادسة من العمر واقفاً بجانب سكة الحديد.
قلت لصاحبيّ:
- ان هذا الصبي يجيبنا عن سؤالنا بلسان حاله، فليكن استاذنا بدلاً مني في مدرستنا السيارة هذه.
اذ لسان حاله يقول هذه الحقيقة:
انظروا الى دابة الارض هذه، والى ضجيجها وصيحتها، وانطلاقها من النفق، وتأملوا في ذلك الطفل الوديع الواقف على مقربة منها، فعلى الرغم من تهديد هذه الدابة وهجومها وانقضاضها على كل من يقترب منها حتى كأنها تقول: يا ويل من يصادفني ويقف امامي .. على الرغم من هذا فان ذلك الصبي البرئ واقف لايحرك ساكناً بالقرب منها، وهو في كمال الاطمئنان والحرية، ولايكترث لتهديدها، مبدياً بطولةً فائقة وجرأة خارقة، وكأنه يستخف بهجومها، فهو يقول بلسان ثباته وبطولته في سن الصبا هذا: