الخطبة الشامية | الكلمة الاولى | 25
(1-47)

- أيها القطار انك لا تخيفني بصوتك الصاخب الذي يشق عنان السماء.. أيها القطار انك أسير نظام، فخطامك في يد قائدك، لا طاقة لك أن تتجاوز حدَّك ولا يمكنك ان تتحكّم فيّ، فهيا انطلق في طريقك وامضِ في سيرك بإذن قائدك.
فيا صاحبيّ في القطار، ويا اخوتي الباحثين في العلوم بعد خمسين عاماً!
افرضوا خيالاً ان رستم الفارسي وهرقل اليوناني، واقفان موقف الصبي هذا، واذ هما لا علم لهما بالقطار، فلا يعتقدان بانه يسير وفق نظام معين، فاذا ماخرج عليهما من النفق المظلم وفي رأسه النار ذات الوقود وفي انفاسه هدير السماء، وفي عيونه بروق المصابيح، وهو يهدد ويزمجر وكأنه يريد أن ينقضّ عليهما.. تصوروا هذه الحالة ثم قدّروا مدى الخوف والهلع الذي يعتريهما، وكيف انهما يفرّان من القطار مع ما يملكانه من جرأة وشجاعة نادرة. وتصوّروا كيف ان حريتهما وجسارتهما تضمحلان امام تهديد دابة الارض هذه حتى لا يجدان بداً منها إلاّ الفرار.. كل ذلك لانهما لا يعتقدان بوجود قائد يقود ذلك القطار، ولا يؤمنان بوجود نظام يسير على وفقه، بل لايظنان أنها دابّة مطيعة منقادة ليس إلاّ، وانما يتخيلانها أسداً هصوراً ووحشاً كاسراً جسيماً تنتظم وراءه اُسود كثيرة ووحوش عديدة.
يا اخوتي! ويا زملائي الذين يسمعون هذا الكلام بعد خمسين عاماً!
ان الذي منح هذا الصبي تلك الجسارة والحرية اكثر من ذينك البطلين ووهب له اطمئناناً وسكينة يفوقهما بكثير هو: ان في قلب ذلك الصبي نواة حقيقة، وهي: ايمانه واطمئنانه بأن ذلك القطار يسير وفق نظام، واعتقاده بأن زمامه بيد قائد يقوده بأمره ولأجله.
وأما الذي أرهب ذينك البطلين المشهورين وأسر وجدانهما، فهو عدم معرفتهما بقائد ذلك القطار وعدم اعتقادهما بنظامه، أي جهلهما بالعقيدة وخلوهما منها.
فمثل هذه البطولة النابعة من ايمان ذلك الصبي الوديع قد ترسّخت طوال ألف سنة في قلوب عشائر من طوائف الاسلام (وهم الترك ومن تشبّهوا بهم) عقيدةً وايماناً، فوهبهم ذلك الايمان بطولة فائقة استطاعوا بها ان يغزوا دولاً تفوقهم مئة ضعف وان يثبتوا امامها، فنشروا كمالات الاسلام في ارجاء العالم.. في آسيا وأفريقيا ونصف اوروبا، واستقبلوا الموت بسرور بالغ قائلين: إن قُتِلت فأنا شهيد وان قَتَلت عدواً فانا مجاهد. بل ثبتوا - بالايمان - امام كل ما اتخذ

لايوجد صوت