الخطبة الشامية | الكلمة الاولى | 26
(1-47)

موقف عداءٍ تجاه استعدادات الانسان وقواه ابتداءً من الميكروبات الى المذنبات التي في السماء، وكأن كلاً منها قطار رهيب، فلم يكترثوا بتهديداتها.
وانما حازت جميع قبائل الاسلام وفي مقدمتها طوائف الترك والعرب نوعاً من السعادة الدنيوية بتسليمهم الامر الى الله والرضى بقضائه وقدره ورؤية الحكمة وتلقي دروس العبرة من الحوادث بدلاً من الرهبة والهلع منها.
فاظهار هؤلاء المسلمين، بطولة معنوية فوق المعتاد - كما يظهره ذلك الصبي - يدلّنا: ان امة الاسلام مثلما تفوز في الآخرة فلهم في الدنيا ايضاً السيادة مستقبلاً.
ان الذي ادّى الى ان يدخل في روع ذينك البطلين الخوف والفرار والقلق انما هو حرمانهما من الايمان والعقيدة وجهلهما وضلالهما. فلقد اثبتت "رسائل النور" بمئات الحجج القاطعة تلك الحقيقة التي ذكرت بضعة امثلة منها في مقدمة هذه الرسالة ايضاً، تلك هي:
ان الكفر والضلال يريان الكون لأهلهما أنّه ملئ بآلاف الأعداء المخيفين، بل هو سلسلة من طوائف تعادي الانسان، ابتداءً من المنظومة الشمسية وانتهاء الى ميكروبات التدرن الرئوي، كلها تعادي هذا الانسان المسكين بايدي القوى العمياء والمصادفة العشواء والطبيعة الصماء. حتى تجعله في رعب دائم وألم مقيم وهلع ملازم واضطراب مستمر مع ما يحمل هذا الانسان من ماهية جامعة واستعداد كلي وحاجات لا نهاية لها ورغبات لا منتهى لها. بل يجعله الكفر والضلال في حالة من عذاب جهنم في الدنيا وكأنه يتجرع الزقوم ولا يكاد يسيغه. فلا تجديه آلاف الفنون والعلوم - الخارجة عن الدين والايمان - ولا التقدم البشري - مثلما لم تجدِ بطولة ذينك البطلين المشهورين - بل تجري في دمه السفاهة واللهو لتعطِّل حواسه فلا يشعر بالألم مؤقتاً.
فكما ان المقايسة بين الايمان والكفر تُفضي في الآخرة الى الجنة والنار، فان الايمان في الدنيا ايضاً يحقق نوعاً من الجنة المعنوية ويجعل المرء يرى الموت نوعاً من التسريح من الوظيفة، بينما الكفر يجعله في الدنيا ايضاً في جحيم معنوي سالباً منه السعادة إذ يريه الموت اعداماً ابدياً. كما اثبتنا ذلك في "رسائل النور" اثباتاً بدرجة الشهود والقطعية التامة. فنحيل القارئ الكريم الى تلك الرسائل.
فإن شئتم أيها الاخوان ان تروا حقيقة هذا المثال، فارفعوا رؤوسكم وانظروا الى هذا الكون! كم ترون لله في الفضاء من كرات النجوم واجرام العوالم وسلاسل الحادثات والوقائع المتسلسلة أمثال القطار والمنطاد والسيارات

لايوجد صوت