رائد الشباب | توجيه الشباب | 15
(1-70)
أما تلك الدعوى فهي أنه قد أتيحت الفرصة أمام كل مؤمن بل أمام كل إنسان في وقتنا الراهن، لأن يكسب أو يخسر دعوى الفوز بملك باقٍ دائم في وسع كرتنا الأرضية، تغطي ذلك الملك من أوله إلى آخره جنات فيحاء، وتتخلله قصور مزينة تخلب الألباب. وإذاً فإن أمام كل امرىء دعوى، بحيث لو امتلك قوة وثروات الانجليز والألمان وكان مع ذلك عاقلاً، لصرف جميع ذلك من أجل كسب هذه الدعوى فقط. ولاشك أن من يصرف اهتمامه إلى أمور أخرى قبل أن يكسب تلك الدعوى، يعتبر مجنوناً سخيف العقل. ولقد بلغت شدّة المخاطر التي تحبط بتلك الدعوى حدّاً، أن واحداً من أربعين شخصاً فقط ممن يوافيهم الأجل ويستدبرون الحياة، يستيطع كسب تلك الدعوى. أما التسعة والثلاثون الباقون فيخسرونها، كما يستفاد ذلك من مشاهدة أحد أرباب الكشف في موضع ما.

وهكذا، فإذا وجد محام لإكساب مثل هذه الدعوى العظيمة الهامة... وإذا كان هناك مثل هذا المحامي الذي استطاع بتجاربه ذات العشرين سنة أن يكسب ثمانية أعشار تلك الدعوى لصالح المؤمنين فلا جرم أن كل إنسان يملك مسكة من عقل مكلف بأن يوظف واحداً من أمثال ذلك المحامي، وأن يُولى تلك القضية أهمية تعلو اهتمامه بسائر الأمور والأحداث.

وهناك آلاف الأدلة والشهود على أن رسائل النور النابعة والمترشحة من الإعجاز المعنوي للقرآن المعجز البيان واحدةٌ من أولئك المحامين –بل ربما كانت في مقدمتهم- وعلى أن الآلاف قد ربحوا دعواهم بواستطها.

وقد ثبت بما لايدع مجالاً للشك أن الأنسان... كل إنسان قد بعث إلى هذه الدنيا ليقوم بوظيفة معينة، وأنه ضيف فانٍ في هذه الحياة، وأن ماهيته متوجهة إلى حياة باقية مستمرة. ولما كانت الحصون المنيعة التي يحتمي بها المسلمون لإنقاذ حياته الأبدية قد تعرضت للتزلزل والاهتزاز في هذا الزمن، فإنه مع اضطراره إلى ترك دنياه هذه بما فيها من الأصدقاء والأحباب تركاً أبدياً، يجد نفسه وجهاً لوجه أمام دعوى كسب أو خسران ملك باق أفضل وأكمل من هذه الدنيا آلاف المرات. فإذا لم تكن في يد المرء وثيقة الإيمان ولم يفر بالاعتقاد الذي هو ضمان برائته ومستندة على نحو صحيح ومتين، فإنه سيخسر تلك الدعوى. ويا تُرى أي شيء يستطيع أن يملأ ذلك الفراغ أو يعوّض ذلك الخسران؟
لايوجد صوت