رائد الشباب | توجيه الشباب | 19
(1-70)
الرجاء السابع(1)

دعاني أرباب الدنيا يوماً إلى أنقرة. وكان ذلك في بداية شيخوخّي حينما تبدل ضحك سعيد الأول إلى بكاء سعيد الثاني. وكانوا يظنونني سعيداً لأول فقد استجبت لدعوتهم. وفي أواخر يوم من أيام الخريف أثناء إقامتي صعدت إلى قلعة أنقرة الهرمة الرثة فتخيلت لي تلك القلعة في صورة حوادث تاريخية، ونظرت من على تلك القلعة الرفيعة إلى أودية الماضي وشواهق الاستقبال في خزن وفرقة اعترتني من شيخوخة فصل السنة، ومن هرمي، وكهولة الحصن، وهرم نوع البشر، ومن هرمي، وكهولة الحصن، وهرم نوع البشر، وكهولة الدولة العثمانية العليا، وموت سلطنة الخلافة، وشيخوخة الدنيا. فتحريت رجاءً ونوراً وتسلياً لما أحسست في (أنقرة) من أشد ظلمات الحالة الروحية بين ظلام تلك الهرمات المتداخلة المحيطة.

وحينما نظرت إلى اليمين الذي هو الماضي باحثاً عن نور ورجاء، بدت لي تلك الجهة على هيئة أكبر المقابر لأبي وأجدادي ونوعي. فبدلاً من أن تسليني وتنورني أوحشتني. ثم تسلّ أو رجاء فتراءى لي على صورة أعظم المقابر وأشدها ظلمة لأمثالي والنسل الآتي، فأدهشتني عوضاً عن أن يونسني.

ثم نظرت إلى زماني الحاضر مستوحشاً عن اليمين واليسار، فبدا ذلك اليوم لنظرتي التاريخية الغافلة على شكل نعش لجنازة جسمي المضطرب بين الموت والحياة.

ثم لما يئست من هذه الجهة أيضاً رفعت رأسي ونظرت إلى أوج شجرة عمري، فرأيت على تلك الشجرة ثمرة واحدة تنظر إليّ وهي جنازتي. فانحنيت برأسي إلى السفل، ونظرت إلى جرثومة شجرة العمر لما توحشت من تلك الجهة أيضاً، فرأيت أن ما هناك من التراب هو رميم عظامي وتراب خلقتي قد اختلطا ببعضهما وامتزجا وهما يداسان تحت الأقدام، فأضافا إلى دائي داءً دون أن يمنحني دواءً. ثم استعطفت إلى ورائي، فرأيت أن الدنيا الفانية التي ليس لها أي قرار تتدحرج في ظلمات العدم، وتنحدر في أوديتها، فأضافت إلى مابيّ من الداء سماً بينما كنت أبحث عن المرهم. وبعد مالم أر فيها أي أمل أو خير مددت بنظري إلى الأمام، فرأيت القبر في وسط السبيل قد فتح فاه ينظر إليّ وينتظرني، وأن ما وراءه من الصراط الممتد إلى الأبد، ومن يسلكون فيه من الركب والقوافل يتعرضون للنظر من بعيد. وليس لي من نقظة استناد أو سلاح دفاع يدفع عني دهشة تلك الجهات الست سوى جزء اختياري الجزئي، مع أن ذلك الجزء الاختياري الذي هو السلام الوحيد ونقطة الاستناد للمرء ضد تلك الأعداء غير المحدودين والمضّرات غير المحصورة ليس بيده شيء غير الكسب، لما أنه ناقص وقاصر وعاجز لايقتدر على إيجاد شيء ما، لا ستيطيع أن يمتد إلى الماضي حتى يذب عني الأحزان الآتية منه ويسكتها، ولا يمكنه أن ينطلق إلى الاستقبال حتى يمنع عني الأهوال المندفعة عنه. فرأيت أنه كما لا يفيدني في أي من آمالي في المستقبل؛ كذلك لا يساعدني على تسكين الآلام الماضية.

(1) هذه القطعة والتي تليها من ترجمة شكري آسلان السروجي.
لايوجد صوت