رائد الشباب | توجيه الشباب | 6
(1-70)
وهنا يجدر التساؤل: لو أخذ في عين الاعتبار قول مخبر واحد بأن هناك خطراً في السير على هذا الطريق وأن احتمال الهلاك يصل الواحد في المائة، ثم سار رجل في ذلك الطريق غير آبه بقول ذلك المخبر. أفليس القلق النفسي الذي يحسه ذلك الرجل بتصوره المخاطر التي قد تواجهه كافياً لقطع شهيته عن الطعام؟ فإذا كان الأمر هكذا، فما بالك بإخبار مئات الألوف من المخبرين الصادقين المصدقين إخباراً يصل احتمال صدقه مائة بالمائة بأن الضلالة والسفه سببان أكيدان لمشنقة القبر والسجن الانفرادي الابدي التي كما هي أمام الأعين. وأن الإيمان والعبودية كفيلان برفع تلك المشنقة وإغلاق بابا ذلك الحبس المفرد، وتحويل ذلك القبر الماثل للعين دوماً، إلى خزينة أبدية وباب مفتوح إلى قصور من قصور السعادة باحتمال مائة بالمائة؟ فيها في قد أخبر أولئك المشاهدون هذه القصية تأييداً بإرائه وإثبات الدلائل والأمارات والآثار. فإذاً إزاء أمر عجيب وغريب ومدهش وعظيم كهذا، ماذا يكون موقف الإنسان وبخاصة الإنسان المسلم.. فلو منح إنسان واحد سلطنة الدنيا وجميع مباهجها ولذاتها فهل بإمكان ذلك أن يرفع ألم وقلق ذلك القبر الماثل للعين دوماً وينتظر دور ندائه إليه لولا الإيمان والعبودية؟

وما دامت الشيخوخة والمرض والمصيبة والوفيات التي تحدث هنا وهناك تحفر في نفس الإنسان ذلك الألم المرعب وتُنذره به، فمن المؤكد أن ارباب السفه والضلالة حتى لو فازوا بمئات الألوف من اللذات فإن ذلك الجحيم المعنوي يعيش في قلوبهم ويحرقها، إلاّ أن ستار نشوة الغفلة السميك يحول دون استشعارهم ذلك مؤقتاً.

وما دام أهل الإيمان والطاعة يرون في القبر الماثل أمام عيونهم باباً إلى خزينة أبدية وسعادة دائمة، ومع ذلك قد منحت لهم بطاقة ربح عظيم في دائرة المقدرات الأزلية تستطيع أن تكسبهم ملايين المجوهرات الثمينة بوثيقة الإيمان، فإن اللذّة العميقة الحقيقية الراسخة والمتعة الروحية التي يستشعره كل واحد منهم وهو ينتظر كل لحظة من يناديه: (تعال خذ ورقتك) لذةٌ بحيث لو تجسمت تلك اللذة المعنوية وأصبحت نواتها شجرة لكانت بمثابة جنة خاصة لذلك المؤمن المنتظر. فإذا كان الأمر كذلك فإن من يترك تلك اللذة والمتعة العظيمتين ويختار تلك اللذة المؤقتة غير المشروعة المحفوفة بالألم والتي تشبه العسل المسموم منساقاً بذلك وراء سفه الشباب وهوله، فإنه يهبط إلى مستوى هو أدنى من مستوى الحيوان مائة مرّة. وهو لا يكون كالملاحدة الأجانب. لأنهم وإن أنكروا الرسول (رسولنا) يمكن أن يؤمنوا بغيره. وإن لم يؤمن بالرّسل فقد يؤمنون بالله.. وإن لم يؤمنوا بالله فقد تكون لهم بعض الخصال الحميدة التي تكون مدراراً للكمالات.
لايوجد صوت