ﺍﻟﺸﻌﺎﻋﺎﺕ | الشعاع الحادي عشر | 315
(270-373)

عنده على وفق مقاييسه وموازينه المحدودة، فيولي المحبة لأبيه او اخيه او زوجته او امته، ويقوم بخدمتهم على وفق تلك المقاييس الضيقة وكأنه لايعرفهم سابقاً ولن يراهم مستقبلاً فلا يرقى أبداً الى مرتبة الصدق في الوفاء، ولا الى مكانة الاخلاص في الصداقة، ولا الى درجة الود المصفى من الشوائب في المحبة، ولا الى الاحترام المبرأ من الغرض في الخدمة؛ لأن سعة تلك السجايا والكمالات قد تضاءلت وصغرت بالنسبة نفسها، وحينها يتردى الانسان الى درك أدنى الحيوانات عقلا.
ولكن ما ان يأتي (الايمان بالآخرة) الى هذا الانسان لينقذه ويمده ويغيثه، حتى يحول ذلك الزمن الضيق - الشبيه بالقبر - الى زمان فسيح واسع جدا بحيث يستوعب الماضي والمستقبل معا، فيريه وجودا واسعا بسعة الدنيا، بل بسعة تمتد من الازل الى الابد. وعندئذٍ يقوم هذا الانسان باحترام والده وتوقيره بمقتضى الابوة الممتدة الى دار السعادة وعالم الارواح، ويساعد اخاه ويعاونه - بذلك التفكير - بالاخوة الممتدة الى الابد، ويحب زوجته ويرفق بها ويعاونها لأنها أجمل رفيقة حياة له حتى في الجنة، ولايجعل هذه الدائرة الحياتية الواسعة الفسيحة - وما فيها من علاقات وخدمات مهمة - وسيلة لأمور تافهة دنيوية ولا لأغراضها الجزئية ومنافعها الزهيدة. لذا يظفر بالصداقة التامة، والوفاء الخالص، والاخلاص الاتم، في علاقاته وخدماته، فتبدأ كمالاته وخصاله بالسمو والرقي بالنسبة نفسها، وتتعالى انسانيته، ولكل حسب درجته..
فذلك الانسان الذي ما كان له ان يرقى الى مستوى عصفور في تذوقه الحياة، اصبح الآن - بفضل الايمان بالآخرة - ضيفا مرموقاً في الدنيا، وكائنا سعيدا، ومخلوقاً ممتازا فيها، يرقى فوق جميع الحيوانات، بل يصبح احب مخلوق، وأكرم عبد عند رب الكون ومالكه.
اكتفينا بهذا القدر في بيان هذه النتيجة حيث بيّنتها رسائل النور

لايوجد صوت