يمثلون الجزء الأهم من البشرية، فان لم يُعنهمْ (الايمان بالآخرة) وان لم يتسلوا به فان الموت الذي يجدونه امامهم دائما بما عندهم من مرض، وأن الاهانة التي يرونها من الظلمة - دون ان يتمكنوا من الاقتصاص منهم ولامن انقاذ شرفهم وكرامتهم من بين مخالبهم - وان اليأس الأليم النابع مما اصاب أموالهم وأولادهم من الضياع في الكوارث، وان الضيق الشديد الناشئ من آلام السجن وعذابه لسنوات عدة نتيجة لذة طارئة لاتستغرق دقائق او ساعات.. كل ذلك يصيّر الدنيا - بلا ريب - سجنا كبيراً لهؤلاء المنكوبين ويجعل الحياة نفسها عذابا أليما لهم ! ولكن ما ان يَمدّهم الايمان بالآخرة بالعزاء والسلوان الا وينشرحون فورا، ويتنفسون الصعداء، لما يزيل عنهم من الضيق واليأس والقلق والاضطراب وسَورة الثأر ازالة كلية او جزئية كلٌ حسب درجات ايمانه.
حتى يمكنني القول انه: لولا الايمان بالآخرة الذي امدّني واخواني في مصيبتنا الرهيبة ودخولنا السجن هذا - دون ذنب اقترفناه - لكان تحمّل مرارة يوم واحد من ايام العذاب كالموت نفسه، ولساقتنا هذه المصيبة الى ترك الحياة ونبذها. ولكن شكراً لله - بلا عد ولاحد - ان جعلني أتحمل آلام كثير من اخواني الذين هم أحب اليّ من نفسي وأتحمل ضياع آلاف من رسائل النور التي هي أعزّ من عيوني، واتحمل فقدان كثير من مجلداتي الزاهية الثمينة جداً.. فأتحمل كل هذا الحزن والاسى بذلك (الايمان بالآخرة) رغم انني ما كنت أتحمل أية إهانة وتحكّم من احدٍ مهما كان، فاني اقسم لكم - لتطمئنوا - ان نور الايمان بالآخرة وقوته قد منحني صبرا وجلدا وعزاء وتسلية، وصلابة وشوقا للفوز بثواب جهاد عظيم في هذا الامتحان الى حدّ بتّ أعدّ نفسي في مدرسة كلها خير وجمال. وحقٌ أن تطلق عليها (المدرسة اليوسفية) كما ذكرته في مستهل هذه الرسالة، فلولا المرض الذي كان ينتابني احيانا، ولولا الحدة الحاصلة من الكهولة لكنت اسعى بجد اكثر لأتلقى دروسي في هذه المدرسة مع ما أحمله من اطمئنان وسكينة قلب.. على كل حال فقد خرجنا عن الصدد ارجو العفو عن هذا الاستطراد.