ﺍﻟﺸﻌﺎﻋﺎﺕ | الشعاع الحادي عشر | 349
(270-373)

ان الصف الاول من المخاطبين والمعارضين في مكة كانوا مشركي قريش وهم اميون لا كتاب لهم، فاقتضت البلاغة اسلوبا عاليا قويا واجمالا معجزا مقنعا، وتكراراً يستلزمه التثبيت في الافهام؛ لذا بحثت اغلب السور المكية اركان الايمان ومراتب التوحيد باسلوب في غاية القوة والعلو، وبايجاز في غاية الاعجاز، وكررت الايمان بالله والمبدأ والمعاد والاخرة كثيرا، بل قد عبرت عن تلك الاركان الايمانية في كل صحيفة أو آية، او في جملة واحدة، او كلمة واحدة، بل ربما عبرت عنها في حرف واحد، في تقديم وتأخير، في تعريف وتنكير، في حذف وذكر. فاثبتت اركان الايمان في امثال تلك الحالات والهيئات البلاغية أثباتا جعل علماء البلاغة وائمتها يقفون حيارى مبهوتين امام هذا الاسلوب المعجز. ولقد وضحّت رسائل النور ولاسيما (الكلمة الخامسة والعشرون مع ذيولها) اعجاز القرآن في اربعين وجها من وجوهها، وكذلك تفسير (اشارات الاعجاز في مظان الايجاز) باللغة العربية الذي يبين بيانا رائعا اعجاز القرآن من حيث وجه النظم بين الآيات الكريمة. فاثبتت كلتا الرسالتين فعلاً علو الاسلوب البلاغي الفذ وسمو الايجاز المعجز في الآيات المكية.
اما الآيات المدنية وسورها فالصف الاول من مخاطبيها ومعارضيها كانوا من اليهود والنصارى وهم اهل كتاب مؤمنون بالله. فاقتضت قواعد البلاغة واساليب الارشاد واسس التبليغ أن يكون الخطاب الموجه لأهل الكتاب مطابقا لواقع حالهم، فجاء باسلوب سهل واضح سلس، مع بيان وتوضيح في الجزئيات - دون الاصول والاركان (الايمانية) - لان تلك الجزئيات هي منشأ الاحكام الفرعية والقوانين الكلية، ومدار الاختلافات في الشرائع والاحكام.. لذا فغالباً ما نجد الايات المدنية واضحة سلسة باسلوب بياني معجز خاص بالقرآن الكريم. ولكن ذكر القرآن فذلكة قوية او نتيجة ملخصة او خاتمة رصينة او حجة دامغة تعقيبا على حادثة جزئية فرعية، يجعل تلك الحادثة الجزئية قاعدة كلية عامة، ومن بعد ذلك يضمن الامتثال بها بترسيخ الايمان بالله الذي يحققه ذكر تلك الفواصل الختامية

لايوجد صوت