مكانه، جاعلة من الشمس كأنها عين السماء فيعقب ﴿وهو عَليمٌ بذاتِ الصُدور﴾ بعد آيات ﴿هو الذى خلقَ السموات والارض… يُولج الليلَ في النهارِ ويُولجُ النّهار في الليل﴾ (الحديد: 4- 6) أي يعقب نفوذ علمه سبحانه في خفايا الصدور بعد ذكره عظمة الخلق في السموات والارض وبسطها امام الانظار. فيقر في الاذهان أنه يعلم خواطر القلوب وخوافي شؤونها ضمن جلال خلاقيته للسموات والارض وتدبيره لشؤونها. فهذا التعقيب: ﴿وهو عَليمٌ بذاتِ الصُدور﴾ لون من البيان يحول ذلك الاسلوب السهل الواضح الفطري - القريب الى افهام العوام - الى ارشاد سام وتبليغ عام جذاب.
سؤال:
ان النظرة السطحية العابرة لاتستطيع ان ترى ما يورده القرآن الكريم من حقيقة ذات اهمية، فلاتعرف نوع المناسبة والعلاقة بين فذلكة تعبّر عن توحيد سام او تفيد دستوراً كلياً، وبين حادثة جزئية معتادة؛ لذا يتوهم البعض ان هناك شيئا من قصور في البلاغة، فمثلا: لاتظهر المناسبة البلاغية في ذكر دستور عظيم: ﴿وفَوقَ كل ذي عِلم عَليم﴾ (يوسف: 76) تعقيبا على حادثة جزئية وهي ايواء يوسف عليه السلام اخاه اليه بتدبير ذكي، فيرجى بيان السر في ذلك وكشف الحجاب عن حكمته ؟
الجواب: ان اغلب السور المطولة والمتوسطة - التي كل منها كأنها قرآن على حدة - لاتكتفي بمقصدين او ثلاثة من مقاصد القرآن الاربعة (وهي: التوحيد، النبوة، الحشر، العدل مع العبودية) بل القرآن بماهيته، أي كل منها: كتاب ذكر وايمان وفكر، كما أنه كتاب شريعة وحكمة وهداية، يتضمن كُتباً عدة، ويرشد الى دروس مختلفة متنوعة. فتجد ان كل مقام - بل حتى الصحيفة الواحدة - يفتح امام الانسان