ﺍﻟﺸﻌﺎﻋﺎﺕ | الشعاع الحادي عشر | 358
(270-373)

الحاشية الثانية:
كنت جالسا ذات يوم في الطابق العلوي من فندق (شهر) عقب اطلاق سراحنا من سجن (دنيزلي) أتأمل فيما حوالي من اشجار الحَوَر (الصفصاف) الكثيرة في الحدائق الغناء والبساتين الجميلة، رأيتها جذلانة بحركاتها الراقصة الجذابة، تتمايل بجذوعها واغصانها، وتهتز اوراقها بادنى لمسة من نسيم. فبدت امامي بابهى صورة واحلاها، وكأنها تسبح لله في حلقات ذكر وتهليل.
مسّت هذه الحركات اللطيفة أوتار قلبي المحزون من فراق إخواني، وانا مغموم لانفرادي وبقائي وحيداً.. فخطر على البال - فجأة - موسما الخريف والشتاء وانتابتني غفلة، اذ ستتناثر الاوراق وسيذهب الرواء والجمال.. وبدأت أتألم على تلك الحَوَر الجميلة، واتحسر على سائر الاحياء التي تتجلى فيها تلك النشوة الفائقة تألماً شديداً حتى اغرورقت عيناي واحتشدت على رأسي أحزان تدفقت من الزوال والفراق تملأ هذا الستار المزركش البهيج للكائنات !.
وبينما أنا في هذه الحالة المحزنة اذا بالنور الذي اتت به الحقيقة المحمدية عليه الصلاة والسلام يغيثني - مثلما يغيث كل مؤمن ويسعفه - فبدّل تلك الأحزان والغموم التي لاحدود لها مسرات وأفراحاً لاحد لها، فبتّ في امتنان أبدي ورضى دائم من الحقيقة المحمدية التي انقذني فيض واحد من فيوضات انوارها غير المحدودة، فنشر ذلك الفيض السلوان في ارجاء نفسي واعماق وجداني، وكان ذلك على النحو الآتي:
ان تلك النظرة الغافلة أظهرت تلك الاوراق الرقيقة والاشجار الفارعة الهيفاء من دون وظيفة ولامهمة، لانفع فيها ولاجدوى، وانها لاتهتز اهتزازها اللطيف من شدة الشوق والنشوة بل ترتعد من هول العدم والفراق.. فتباً لها من نظرة غافلة اصابت صميم ما هو مغروز فيّ - كما هو عند غيري - من عشق للبقاء، وحب الحياة، والافتتان بالمحاسن، والشفقة على بني الجنس.. فحولت الدنيا الى جهنم معنوية،

لايوجد صوت