اخوتي الاعزاء الصدّيقين !
ان الذين اجتازوا الامتحان الشديد في هاتين المدرستين اليوسفيتين - القديمة والجديدة(1) - ولم يتزعزعوا، ولم يدعوا درسهم الايماني، ولم يتخلوا عن صفة الطالب مهما كانت الظروف، ولم تنل من معنوياتهم هذه الكثرة الهائلة من الهجمات.. ان هؤلاء يرحب بهم الملائكة والروحانيون، كما سيرحب بهم أهل الحقيقة والجيل المقبل. فأنا مقتنع بهذا، ولكن الضيق المادي شديد لوجود المرضى والفقراء المساكين فيما بينكم. فتجاه هذا الأمر، ليكن كلٌ منكم مسلياً لكلٍ من اولئك، وقدوة حسنة له في الصبر والاخلاق، وأخاً شفيقاً عليه في التساند واللطف، ومخاطباً ذكياً ومجيباً عن اسئلته اثناء الدرس الايماني، ومرآة صافية لانعكاس السجايا الفاضلة.. وعندئذٍ تجدون المضايقات قد ولّت واضمحل السأم وتلاشى الضجر. نعم! هكذا أتصور الأمر وأتسلى به يا اخوتي يا من أحبهم أكثر من روحي.
سأرسل لكم يوماً جبة مولانا خالد (قدس سره)(2) والتي عمرها مائة وعشرون سنة. فكما انه قد البسنيها فانا بدوري سارسلها اليكم متى شئتم، ليلبسها كلًٌ منكم باسمه.
لقد اجرى الطبيب عليّ لقاح الجدري في بداية مجيئنا هنا. فتورمت الذراع، وتسرب الورم الى الاسفل حتى لا يدعنى ان انام، ويزعجنى اثناء الوضوء. ترى هل ان جسمي لا يتحمل التطعيم بالجدرى ام هناك معنى آخر في الامر؟ وقد اخذت التطعيم بالجدري قبل عشرين عاماً في (آنقرة) ويلتهب موضع التطعيم الى الآن بين حين وآخر، ويزعجني. فأخشى ان يكون هذا كذلك مثله، فكيف الأمر عندكم؟.
سعيد النورسي
* * *
(1) المقصود: سجن (اسكى شهر ) و (دنيزلى). المترجم.
(2) هو ابو البهاء ضياء الدين المشهور بمولانا خالد الشهرزوري (1190 - 1242هـ) مجدد عصره، من ائمة الطريقة النقشبندية، فاق علماء عصره فى العلم والتقوى، ربّى كثيراً من الاولياء. تلقى الدرس من عبدالله الدهلوى. توفى فى الشام. وجبته هذه ورثتها السيدة (آسيا) واحتفظت بها حتى اهدتها الى احد طلاب النور فى (اسبارطة) ليسلّمها هدية الى الاستاذ النورسى الذى احتفظ بها حتى وفاته.- المترجم.