ان الذي يقاسي عذاب هذا السجن ومشقاته الذى هو أشد برودة وضيقاً من سائر الاماكن، لاشك ان تكون له رغبة في التهرب مما سبب هذا السجن وادّى الى الدخول فيه، كل حسب درجته. ولكن سببه الظاهري الذي هو (رسائل النور) التي تكسب اولئك الذين يقاسون المتاعب، الايمان التحقيقى وحسن الخاتمة، والثواب الجزيل من الاعمال الصالحة لمئات العاملين الناشئ من الاشتراك المعنوي، اقول: ان هذه الفوائد تبدل تلك المشقات المرة الى رحمات حلوة لذيذة، لذا فان ثمن هاتين النتيجتين هو: الثبات التام والوفاء الخالص الذي لا يتزعزع.
ومن هنا فان الندم والتخلي خسارتان جسيمتان. فهذا السجن خير لاُولئك الطلاب الذين لا علاقة لهم بالدنيا، او لهم علاقة واهية جداً. بل هو موضع حرية لهم من جهة.
اما الذين لهم حرث في الدنيا وامورهم المعاشية على ما يرام، فان النقود المصروفة تكون بمثابة صدقات مضاعفة لهم، وتبدل ساعات العمر الماضية الى عبادات مضاعفة لذا ينبغي لهم الشكر بدل الشكوى.
اما قسم الفقراء والضعفاء المساكين، فلانهم كانوا لا يكسبون ثواباً كثيراً خارج السجن بل يتحملون مسؤوليات شاقة، فهذا السجن الذي يكسبهم الخير الكثير والثواب العظيم ومن دون ان تكون على عاتقهم مسؤولية ما، والمشقات التي تتخفف بالتسلي بين الاخوان.. تكون مبعث شكر لهم.
* * *
يا اخوتي الأوفياء الأعزاء!
قال لي أحد الأتقياء في (قسطموني) شاكياً: (لقد تردّيت، وتقهقرت عن حالي السابق اذ فقدتُ ما كنت عليه من أحوال وأذواق وأنوار).
فقلت له: بل قد ترقيت، واستعليت على الأذواق والكشفيات التي