في دفتر اعاشة المخلوقات، وانه يفرش سفرة نعمه في كل ربيع وصيف ويرفعها بل يبسطها ويطويها اكثر من مائة مرة مزيناً اياها باطعمة متنوعة لذيذة يأتيها من عالم الغيب ومن العدم ومن حيث لايحتسب العبد ومن تراب جامد حتى كأن سني الزمان وايام كل سنة صحون متعاقبة مترادفة لثمرات احسانه واطعمة رحمته ومعرض لمراتب آلاء رزاق رحيم، بمراتب كلية وجزئية. فانت عبدٌ لمثل هذا الغني المطلق. فان كان لك شعور واحساس بهذه العبودية له، فان فقرك الأليم يصبح مدار شهية لذيذة..
وانا بدوري قد أخذت حظي من هذا المعنى من الآية الكريمة. فقلت مع نفسي: نعم.. نعم انه الصدق بعينه.
ورددت متوكلاً على الله: ﴿حَسبُنا الله ونِعمَ الوَكيل﴾.
المرتبة النورية الحسبية الثالثة
حينما اشتد خناق الامراض وألوان الغربة وأنواع الظلم عليّ، وجدت ان علاقاتي تنفصم مع الدنيا، وان الايمان يرشدني بانك مرشح لدنيا اخرى ابدية، وانك مؤهل لمملكة باقية وسعادة دائمة. ففي هذه الاثناء تركتُ كل شئ تقطر منه الحسرة ويجعلني أتأوّه وأتأفف، وابدلته بكل ما يبشّر بالخير والفرح ويجعلني في حمدٍ دائم. ولكن أنّى لهذه الغاية أن تتحقق وهي غاية المنى ومبتغى الخيال وهدف الروح ونتيجة الفطرة، الاّ بقدرة غير محدودة للقدير المطلق، يعرف جميع حركات مخلوقاته وسكناتهم قولاً وفعلاً، بل يعرف جميع احوالهم واعمالهم ويسجلها كذلك. وانّى لها أن تحصل الاّ بعنايته الفائقة غير المحدودة لهذا الانسان الصغير الهزيل المتقلب في العجز المطلق، حتى كرّمه واتخذه خليلاً مخاطباً، واهباً له المقام السامي بين مخلوقاته.