النقطة الخامسة:
ان شخصاً عظيماً يملك مئات المهارات والابداعات والمزايا والكمالات والمحاسن، قد بنى قصراً فخماً خارقاً، ليعرّف ويبين به مهاراته وابداعاته وصنعته المتقنة وكمالاته وجماله المخفي، وذلك حسب قاعدة: ان كل مهارة تطلب الاعلان عن نفسها، وكل صنعة جميلة متقنة تريد أن تدفع الآخرين الى تقديرها، وكل كمال ومزية يحاول إظهار نفسه، وكل جمال وحسن يريد ان يبين نفسه.
هذا وان كل مَن يشاهد هذا القصر المنيف الملئ بالمعجزات والخوارق لاشك ينتقل فكره مباشرة الى حذاقة بانيه ومهارته، وابداع مالكه واتقانه، وجمال صاحبه وكمالاته ومزاياه، حتى يقوده هذا التأمل الى التصديق بتلك الفضائل والمزايا والايمان بها كأنه يشاهدها بعينه؛ اذ يقول: (ان مَن لم يكن جميلاً بنواحيه وجوانبه كافة، ومبدعاً في اموره وشؤونه كافة، لايمكن أن يكون مصدر هذا القصر البديع في كل جهة من جهاته ولايمكن أن يكون موجده وبانيه ومخترعه - أي من غير تقليد - بل إن محاسن ذلك الباني المعنوية وكمالاته كأنها قد تجسمت بهذا القصر.. هكذا يقول وهكذا يقضي ويقرر) .
والامر كذلك فيمن ينظر الى جمال هذا العالم المسمى بالكون، هذا المعرض البديع والقصر الباذخ والمخلوقات العجيبة، اذ لاشك ان فكره ينتقل مباشرة الى ان هذا القصر الذي تزيّن بهذا الجمال الرائع انما هو مرآة عاكسة لإظهار محاسن غيره وجماله وكماله، مالم يختل عقله ويفسد قلبه.
نعم، مادام هذا القصر، قصر العالم ليس له مثيل يشبهه، كي يُقتبس الجمال منه وتُقلّد المحاسن منه، فلاشك أن صانعه وبانيه له من المحاسن والجمال مايليق به في ذاته وفي اسمائه، بحيث يقتبس العالم الجمال منه. ولأجل ذلك بني هذا العالم على وفق انوار ذلك الجمال، وكُتب كالكتاب المتقن البديع ليعبّر عن ذلك الجمال.