اللمعات | اللمعة الاولى | 3
(1-6)

الانقضاض عليه، فلا ينـجيه سبب، ولا يـخلصه أحد، ولا يوصِله الى ساحل السلامة بأمان، الاّ من بيده مقاليد الليل وزمام البحر والحوت معاً، ومَن يسخّر كل شيء تحت امره.. حتى لو كان الخلق اجمعين تحت خدمته عليه السلام ورهن اشارته في ذلك الموقف الرهيب، ما كانوا ينفعونه بشيء!.
أجل لا تأثير للاسباب قط.. فما أن رأى عليه السلام بعين اليقين ألاّ ملجأ له من امره تعالى إلاّ اللواذ الى كنف مسبب الاسباب، انكشف له سرُّ الأحدية من خلال نور التوحيد الساطع، حتى سخرتْ له تلك المناجاةُ الخالصة الليل والبـحر والحوت معاً، بل تـحوّل له بنور التوحيد الخالص بطنُ الحوت المظلمة الى ما يشبه جوف غواصة أمينة هادئة تسير تحت البحر، وأصبـح ذلك البـحر الهائج بالامواج المتلاطمة ما يشبه المتنزه الآمن الهادىء، وانقشعت الغيوم عن وجه السماء – بتلك المناجاة – وكشف القمر عن وجهه المنير كأنه مصباح وضىء يتدلى فوق رأسه..
وهكذا غدت تلك المـخلوقات التي كانت تهدده وترعبه من كل صوب وتضيق عليه الخناق، غدت الآن تسفر له عن وجه الصداقة، وتتقرب اليه بالود والحنان، حتى خرج الى شاطىء السلامة وشاهد لطف الرب الرحيـم تـحت شجرة اليقطين.
فلننظر بنور تلك المناجاة الى انفسنا.. فنـحن في وضع مـخيف ومرعب أضعاف أضعاف ما كان فيه سيدنا يونس عليه السلام، حيث ان:
ليلنا الذي يـخيـم علينا، هو المستقبل.. فمستقبلنا اذا نظرنا اليه بنظر الغفلة يبدو مظلماً مـخيفاً، بل هو أحلك ظلاماً واشد عتامة من الليل الذي كان فيه سيدنا يونس عليه السلام بـمائة مرة..
وبـحرنا، هو بـحر الكرة الارضية، فكل موجة من امواج هذا البـحر المتلاطم تـحـمل آلاف الجنائز، فهو اذن بـحر مرعب رهيب بـمائة ضعف رهبة البـحر الذي ألقي فيه عليه السلام.

لايوجد صوت