(بينما كنت اقطع المراتب في السير والسلوك الروحاني، رأيت ان أسطع ما في طبقات الاولياء، وارقاهم وألطفهم وآمنهم واسلمهم هم اولئك الذين اتخذوا اتباع السنة الشريفة اساسا للطريقة، حتى كان الاولياء العوام لتلك الطبقة يظهرون اكثر بهاءا واحتشاما من الاولياء الخواص لسائر الطبقات).
نعم ان الامام الرباني مجدد الالف الثاني ينطق بالحق، فالذي يتمسك بالسنة الشريفة ويتخذها اساساً له، لهو أهل لمقام المحبوبية في ظل حبيب الله y.
النكتة الثالثة:
عندما كان يسعى هذا السعيد الفقير الى الله، للخروج من حالة (سعيد القديم)(1) ارتج عقلي وقلبي وتدحرجا ضمن الحقائق ازاء اعصار معنوي رهيب، فقد شعرت كأنهما يتدحرجان هبوطا تارة من الثريا الى الثرى وتارة صعدا من الثرى الى الثريا، وذلك لانعدام المرشد، ولغرور النفس الامارة.
فشاهدت حينئذ ان مسائل السنة النبوية الشريفة بل حتى ابسط آدابها، كل منها في حكم مؤشر البوصلة الذي يبين اتجاه الحركة في السفن. وكل منها في حكم مفتاح يضيء ما لا يحصر من الطرق المظلمة المضرة.
وبينما كنت ارى نفسي في تلك السياحة الروحية أرزح تحت ضغط مضايقات كثيرة وتحت اعباء أثقال هائلة، اذا بي أشعر بخفة كلمات تتبعت مسائل السنة الشريفة المتعلقة بتلك الحالات، وكأنها كانت تحمل عني جميع الاثقال وترفع عن كاهلي تلك الاعباء. فكنت أنجو باستسلام تام بالسنة من هموم التردد والوساوس مثل: (هل في
---------------
(1) (سعيد القديم) هو اللقب الذي يطلقه الاستاذ النورسي على نفسه، قبل قيامه بتأليف رسائل النور (1926) وقبل ان يأخذ (سعيد الجديد) على عاتقه مهمة انقاذ الايمان، ويستلهم من فيض القرآن الكريم رسائل النور. – المترجم.