اللمعات | المقام الثاني | 171
(160-172)

أيها الانسان المتقلب في خضم عجز لانهاية له وفقر لاحد له، اذا أردت أن تفهم كيف أن الرحمة أعظم وسيلة وأرجى شفيع، فاعلم:
أن الرحمة أقوى وسيلة للوصول الى سلطان عظيم ذي جلال، تنقاد له النجوم والذرات معاً جنوداً مطيعين طاعة تامة في انتظام تام.. ذلك السلطان ذو الجلال والاكرم رب العالمين المستغني عن الخلق أجمعين، الكبير المتعالي عن الموجودات، فلا حاجة له أصلاً الى الموجودات، بل كل شيء قد تواضع لعظمته واستسلم لقدرته وذل لعزته وخضع لهيبة جلاله.. فالرحمة أيها الانسان ترفعك الى ديوان حضور ذلك الغني المطلق، وتجعلك خليلاً لذلك السلطان السرمدي الاعظم، بل تعرج بك الى مقام خطابة الجليل، وتجعلك عبداً مكرماً محبوباً عنده.
ولكن، كما انك لا تصل الى الشمس لبُعدك عنها، بل لا يمكنك التقرب اليها بحال، فان ضوءها يُسِلم اليك تجليها وصورتها بواسطة مرآة.. (ولله المثلُ الأعلى) فنحن على الرغم من بُعدّنا المطلق عن الله سبحانه وتعالى، فان نور رحمته يقربه الينا.
فيا ايها الانسان! ان من يظفر بهذه الرحمة فقد ظفر بكنز عظيم لا يفنى، كنزٍ ملؤه النور..
أما طريق الوصول الى ذلك الكنز العظيم فاعلم: ان اسطع مثالٍ للرحمة، وأفضل مَن يمثلها، وأبلغَ لسانٍ ناطقٍ بها، وأكرم داعٍ اليها، هو الذي سمي في القرآن الكريم ﴿رحمة للعالمين﴾ وهو رسولنا الحبيب y. فالطريق الامثل لبلوغ تلك الخزينة الابدية هو اتباع سنته المطهرة.
ولكن كيف الوصول الى الرسول الحبيب y ، وما الوسيلة اليه؟
فاعلم ان الوسيلة هي الصلاة عليه.
نعم! الصلاة عليه تعني الرحمة، فالصلاة عليه دعاء بالرحمة لتلك الرحمة المجسمة الحية، وهي وسيلة الوصول الى مَن هو رحمة للعالمين.

لايوجد صوت