اللمعات | المقام الثاني | 168
(160-172)

وكذا فان آيات الوحدانية واختامَها مع انها قد وُضعت في المخلوقات بكثرة غير متناهية، ابتداءً من أوسع الاختام واكثرها كلية الى اصغرها جزئية، في دوائر متداخلة وفي مراتب متنوعة وانواع شتى، الاّ أن وضوح هذه الاختام للوحدانية – مهما بلغ من الظهور – فهو وضوحٌ ضمن كثرةٍ من المخلوقات لا يُوفي حقَّ الوفاء حقيقة الخطاب في ﴿اياك نعبدُ﴾. لذا يلزم وجود طابع الأحدية في ثنايا ختم الوحدانية، كي يفتح الطريق امام القلب للوصول الى ذات الله الأقدس من دون ان يذكره بالكثرة.
ثم، لأجل لفت الانظار الى طابع الأحدية، وجلب القلوب نحوها، فقد وضُع فوق تلك السمة للأحدية نقشٌ بديعٌ في منتهى الجاذبية، ونورٌ باهر في منتهى السطوع، وحلاوةٌ لذيذة في منتهى الذوق، وجمالٌ محبوب في منتهى الحسن، وحقيقة رصينة في منتهى القوة، تلك هي سمة الرحمة وختم الرحيمية.
نعم! ان قوة تلك الرحمة هي التي تجلب انظار ذوي الشعور نحوها فُتوصلها الى طابع الأحدية وتجعلها تلاحظ ذات الاحد الأقدس حتى تجعل الانسان يحظى بالخطاب الحقيقي في ﴿اياك نعبدُ واياك نستعين﴾.
وهكذا ف (بسم الله الرَّحمن الرَّحيم) من حيث انه فهرس لفاتحة الكتاب المبين وخلاصة مجملة له، قد اصبح عنواناً لهذا السر العظيم المذكور، وترجماناً له، فالذي يتمكن من أن ينال هذا العنوان يستطيع ان يجول في طبقات الرحمة، والذي يستنطق هذا الترجمان يتعرف على اسرار الرحمة ويتعلمها ويشاهد أنوار الرحيمية والرأفة.

السر الخامس:

لايوجد صوت