اللمعات | المقام الثاني | 169
(160-172)

لقد ورد في حديث شريف (ان الله خلق آدمَ على صورة الرحمن)(1) أو كما قالy.
فسرَ قسم من اهل الطرق الصوفية هذا الحديث الشريف تفسيراً عجيباً لا يليق بالعقائد الإيمانية، ولا ينسجم معها. بل بلغ ببعض من أهل العشق ان نظروا الى السيماء المعنوي للانسان نظرتهم الى صورة الرحمن! ولما كان في اغلب اهل العشق حالة استغراقية ذاهلة والتباس في الامور، فلربما يُعذَرون في تلقياتهم المخالفة للحقيقة. الاّ أن اهل الصحو، واهل الوعي والرشاد يرفضون رفضاً باتاً تلك المعاني المنافية لاسس عقائد الإيمان، ولا يقبلونها قطعاً. ولو رضي بها أحدٌ فقد سقط في خطأ وجانَبَ الصواب.
نعم، ان الذي يدبر امور الكون ويهيمن على شؤونه بسهولة ويسر كادارة قصر أو بيت.. والذي يحرك النجوم واجرام السماء كالذرات بمنتهى الحكمة والسهولة.. والذي تنقاد اليه الذرات وتأتمر بأمره وتخضع لحكمة..
نعم، ان الذي يفعل هذا كله هو الله القدوس سبحانه.. فكما انه منزّه ومقدّس عن الشرك؛ فلا شريكَ له، ولا نظيرَ، ولا ضدّ ولا ندّ، فليس له قطعاً مثيلٌ ولا مثالٌ ولا شبيهٌ ولا صورةٌ ايضاً، وذلك بنص الآية الكريمة: ﴿ليس كَمِثْله شيءٌ وهو السميعُ البَصيرُ ﴾(الشورى:11) الاّ أن شؤونه الحكيمة وصفاته الجليلة واسماءه الحسنى ينظر اليها بمنظار التمثيل والمثَل حسب مضمون الآية الكريمة: ﴿وله المثَلُ

-----------------

(1) (خلق الله عز وجل آدم على صورته..) حديث صحيح اخرجه البخاري برقم 6227 ومسلم برقم 2841 واحمد 2/315 وابن خزيمة في التوحيد ص 29. أما حديث (ان الله خلق آدم على صورة الرحمن) فقد عزاه الحافظ في الفتح 5/183 لابن ابي عاصم في السنة والطبراني من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وقال الحافظ باسناد رجاله ثقات.

لايوجد صوت