وهكذا فان القناعة المستفيضة من الاقتصاد تفتح باب الشكر وتوصد باب الشكوى، فيظل الانسان في شكر وحمد مدى حياته. وبالقناعة لايتلفت الى توجه الناس اليه لإستغنائه عنهم، فينفتح امامه باب الاخلاص وينغلق باب الرياء.
ولقد شاهدت الاضرار الجسيمة والخسائر الفادحة التي تسفر عن الاسراف وعدم الاقتصاد شاهدتها متجسدة في نطاق واسع ممتد وهي كما يأتي:
جئت الى مدينة مباركة – قبل تسع سنوات – كان الموسم شتاءً فلم اتمكن من رؤية منابع الثروة وجوانب الانتاج في تلك المدينة، قال لي مُفتيها رحمه الله: ان أهالينا فقراء مساكين. أعاد قوله هذا مراراً. أثر فيّ هذا القول تأثيراً بالغاً مما أجاش عطفي، فبت استرحم وأتألم لأهالي تلك المدينة فيما يقرب من ست سنوات. وبعد ثماني سنوات عدتُ اليها وهي في اجواء الصيف، وأجلت نظري في بساتينها فتذكرت قول المفتي رحمه الله فقلت متعجباً:
سبحان الله! ان محاصيل هذه البساتين وغلاتها تفوق حاجة المدينة بأسرها كثيراً، وكان حرياً بأهاليها ان يكونوا أثرياء جداً! بقيت في حيرة من هذا الامر.. ولكن ادركت بحقيقة لم تخدعني عنها المظاهر، فهي حقيقة استرشد بها في ادراك الحقائق، وهي: ان البركة قد رفعت من هذه المدينة بسبب الاسراف وعدم الاقتصاد. مما حدا بالمفتي رحمه الله الى القول: ان اهالينا فقراء ومساكين، برغم هذا القدر الواسع من منابع الثروة وكنوز الموارد.
نعم، انه ثابت بالتجربة وبالرجوع الى وقائع لاتحد بأن دفعَ الزكاة، والأخذ بالاقتصاد سببان للبركة والاستزادة. بينما الاسراف ومنع الزكاة يرفعان البركة.