وان اوضاع الاسماك البدينة البليدة التي تنم عن القناعة الباعثة لوصول ارزاقها اليها كاملة وعجز الحيوانات الذكية كالثعالب والقردة عن تحصيل غذائها كاملاً مع حرصها سعياً وراءها وبقاءها هزيلة نحيفة، ليبين كذلك مدى ما يسببه الحرص من المشقة والعناء ومدى ما تسببه القناعة من الراحة والهناء.
كما ان حصول اليهود على ارزاقهم كفافاً بطرق غير مشروعة ممزوجاً بالذل والمسكنة بسبب حرصهم وتعاملهم بالربا واتباعهم اساليب المكر والخدع، وحصول البدويين المتحلين بالقناعة على رزقهم الكافي وعيشهم العيش الكريم العزيز يؤيد دعوانا ايضاً تأييداً كاملاً.
كما أن تردّي كثير من العلماء(1) والادباء(2) بما يمنحهم ذكاؤهم ودهاؤهم من الحرص في فقر مدقع وعيش كفاف، وغناء اكثر الاغبياء العاجزين واثرائهم لما لهم من حالة فطرية قنوعة ليثبت اثباتاً قاطعاً: ان الرزق الحلال يأتي حسب العجز والافتقار لا بالاقتدار والاختيار. بل هو يتناسب تناسباً عكسياً مع الاقتدار والاختيار. ذلك ان ارزاق الاطفال تتضائل وتبتعد ويصعب الوصول اليها كلما ازدادوا اختياراً وارادةً واقتداراً.
نعم، ان القناعة كنز للعيش الهنيء الرغيد ومبعث الراحة في الحياة، بينما الحرص معدن الخسران والسفالة كما يتبين ذلك من
-------------------
(1) سأل انو شيروان حاكم ايران العادل الحكيم بزرجمهر: لماذا يشاهد العلماء بابواب الامراء ولا يُشاهد الامراء بابواب العلماء والعلم يفوق الإمارة؟
فأجاب: ذلك من علم العلماء، وجهل الامراء.
أي: ان الامراء لا يعلمون قدر العلم، فلا يأتون ابواب العلماء لطلبه بينما العلماء يعلمون قدره، فيطلبون قيمته بابواب الامراء!
فهذا الجواب اللطيف تأويل ظريف لحرص العلماء النابع من ذكائهم المؤدي بهم الى الذل والفقر.
– خسرو.
(2) هناك حادثة تؤيد هذا الحكم؛ أن الادباء في فرنسا يمنحون وثيقة التسول لإجادتهم له.
– سليمان رشدي.