اللمعات | اللمعة الثالثة والعشرون | 334
(299-336)

توصلوا الى ان وجود هذه الموجودات، وافتراض تشكلها بعوامل (الطبيعة) و (الاسباب) مسألة تطرح مشكلات عويصة بدرجة الامتناع – على غرار ما ذكرناه في بيان الاحتمالات ومحالاتها – فانقسم هؤلاء الفلاسفة إزاء هذه العقبة الكأداء الى قسمين:
قسم منهم صاروا سوفسطائيين وعافوا العقل الذي هو خاصة الانسان وسقطوا الى درك أدنى من الحيوانات، اذ وصل بهم امر فكرهم الى انكار الوجود عموماً، بل حتى انكار وجودهم، وذلك عندما رأوا ان هذا الانكار اجدى على العقل وايسر عليه واسلم من تصور (الطبيعة) و(الاسباب) مالكة لزمام الايجاد، فانكروا وجود انفسهم ووجود الموجودات جميعاً، فسقطوا في هاوية الجهل المطلق.
اما القسم الثاني: فقد نظروا الى الموجودات انها لو سلم ايجادها الى (الاسباب) و(الطبيعة) كما هو شأن اهل الضلالة فان ايجاد شيء صغير جداً كالبعوضة او البذرة فيه من المشكلات مالا يحد، ويقتضي قدرة عظيمة لا يبلغ مداها العقل، فوجدوا انفسهم مضطرين الى انكار (الايجاد) نفسه، فقالوا: (لايستحدث شيء من العدم) ورأوا ان اعدام الشيء محال ايضاً فقرروا انه (لايفنى الموجود). وتخيلوا جملة من الاوضاع الاعتبارية ساريةً ما بين تحليل وتركيب وتفريق وتجميع، ناتجة عن حركات الذرات، وسيل المصادفات!
فتأمل في هؤلاء الذين يظنون انفسهم في ذروة العقل، قد سقطوا في حضيض من الحماقة والجهل، واعلم من هذا كيف تضع الضلالة هذا الانسان المكرّم – حين يلغي ايمانه – موضع سخرية وازدراء من كل احد..
وبدورنا نسأل هؤلاء:

لايوجد صوت