وهكذا فلا أستبدل بسنة واحدة من شيخوختي التي أنشأت حوادثُها اليأسَ والاعباء الثقيلة والتي اسعفها السلوان النزيه النابع من الإيمان والقرآن، مع ما فيها من معاناة وضيق، عشر سنوات بهيجة سارة من حياة شبابي. وبالاخص اذا كان كل ساعة من ساعات التائب المقيم لفرائضه في السجن بحكم عشر ساعات له من العبادة، وان كُل يوم يمر بالمريض وهو مظلوم يجعل صاحبه يفوز بثواب عشرة ايام خالدة، فكم يكون مثل هذه الحياة مبعث شكر وامتنان لله لمثلي الذي يترقب دوره وهو على شفير القبر.
نعم، فهذا هو الذي فهمته من ذلك التنبيه المعنوي، فقلت: شكراً لله بلا نهاية.. وفرحت بشيخوختي ورضيت بالسجن. حيث ان العمر لايتوقف بل يمضي مسرعاً، فان مضى باللذة والفرح فانه يورث الحزن والاسى؛ لان زوال اللذة يورث الألم، وان مضى مشبعاً بالغفلة خاوياً من الشكر. فانه يترك بعض آثار الآثام ويفنى هو ويمضي. ولكن اذا مضى العمر بالعناء والسجن، فلكون زوال الألم يورث لذةً معنوية، وأن مثل هذا العمر يعدّ نوعاً من العبادة؛ لذا يظل باقياً من جهة، فيجعل صاحبه يفوز بعمر خالد بثمرات خالدة خيرة، ومن جهة اخرى كفارة للذنوب السابقة وتزكية للاخطاء التي سببت السجن. فمن زاوية النظر هذه على المسجونين الذين يؤدون الفرائض أن يشكروا الله تعالى ضمن الصبر.
الرجاء السادس عشر
عندما ساقوني منفياً الى قسطموني(1) بعد أن اكملت سنة محكوميتي في سجن (اسكي شهر) وانا الشيخ الهرم، مكثت موقوفاً
-----------
(1) مدينة تقع في شمالي تركيا، نفي اليها الاستاذ النورسي سنة 1936 وظل فيها تحت الاقامة الاجبارية في غرفة مقابل مخفر الشرطة الى ان سيق منها (سنة 1943) موقوفاً لمحاكمته في محكمة الجزاء الكبرى في (دنيزلي). – المترجم.