اللمعات | اللمعة التاسعة والعشرون | 526
(516-573)

الحَمْدُ للهِ عَلى نِعَمَةِ الإيَمانِ المُزيلِ عَنا ظُلُمَاتِ الجِهَاتِ الستّ.
إذْ جِهةُ المَاضِي في حُكْمِ يَميننا مُظْلِمَةٌ وَمُوحِشَةٌ بِكَونِهَا مَزَاراً أكبَرَ. وبِنِعْمَةِ الإيمانِ تَزُولُ تلكَ الظلْمَةُ وَينْكَشِفُ المَزَارُ الأكْبَرُ عَنْ مَجْلِسٍ مُنَوَّرٍ.
وَ يَسَارُنَا الذي هُوَ الجِهَةُ المُسْتَقْبَلَةُ، مُظْلِمَةٌ وَمُوحِشَةٌ بِكَوْنِهَا قَبراً عَظيمَاً لَنَا. وبِنِعْمَةِ الإيَمانِ تَنْكَشِفُ عَنْ جنانٍ مُزَينَةِ فيهَا ضِيافَاتٌ رَحْمَانيةٌ.
وَجِهَةُ الفَوقِ وَهُوَ عَاَلمُ السمواتِ مُوحِشَةٌ مُدْهِشَةٌ بِنَظَرِ الفَلسَفَةِ. فَبِنِعْمَةِ الإيمَانِ تتَكَشفُ تِلكَ الجِهَةُ عَنْ مَصابِيحَ مُتبسمَةٍ مُسَخرةٍ بِأمْرِ مَنْ زَينَ وَجه السماءِ بِهَا يُسْتَأنَسُ بها وَلا يُتَوَحشُ مِنْهَا.
وَجِهَةُ التَّحْتِ وَهيَ عَالَمُ الأرضِ مُوحِشَةٌ بِوَضْعيتِهَا في نَفْسِهَا بِنَظَرِ الفَلسَفَةِ الضالةِ. فَبِنعْمَةِ الإيمَانِ تَتكَشفُ عَنْ سَفينَةٍ رَبانيَةٍ مُسَخرَةٍ وَمَشْحُونَةٍ بِاَنْوَاعِ اللذَائِذِ والمَطْعُومَاتِ؛ قَدْ اَركَبَهَا صَانِعُهَا نَوعَ البَشَرِ وَجِنسَ الحَيَوَانِ للسياحَةِ في أطْرَافِ مَملَكَةِ الرَّحْمنِ.
وَجِهَةُ الأمَامِ الذي يَتوَجَهُ الى تِلكَ الجِهَةِ كُلُّ ذَوي الحَيَاةِ مُسْرِعَةً قَافِلَةً خَلفَ قَافِلَةٍ، تَغيبُ تِلكَ القَوافِلُ في ظُلُمَاتِ العَدَمِ بِلا رُجُوعٍ. وَبِنعْمةِ الإيَمَان تَتَكَشفُ تِلكَ السِياحَةُ عَنِ انتِقَالِ ذَوي الحَياةِ مِنَ دَارِ الفَنَاءِ الى دَارِ البَقآءِ، وَمِنْ مَكَانِ الخِدْمَةِ اِلى مَوضِعِ أخْذِ الأُجْرَةِ، وَمِنْ مَحَلِّ الزَّحْمَةِ الى مَقامِ الرَّحْمَةِ والاستِرَاحَةِ. وَأمَا سُرعَةُ ذَوي الحَياةِ في أمْوَاجِ المَوتِ، فَلَيْسَتْ سُقوُطاً وَمصيبةً، بل هِيَ صُعٌودٌ باشتِيِاقٍ وَتسَارُعٌ اِلى سَعادَاتِهِمْ.
وَجِهَةُ الخَلْفِ ايضاً مُظْلِمَةٌ مُوحِشَةٌ. فَكُلُّ ذي شُعُورٍ يَتَحيرُ مُتَرَدِّداً ومُستَفْسِراً بـ(مِنْ أينَ ؟ إلى أينَ؟). فلأَنَّ الغَفْلَةَ لا تُعْطي لهُ جَوَابَاً، يَصيرُ التَرَدُّدُ والتحَيرُ ظُلُمَاتٍ في رُوحِهِ.. فَبِنِعْمَةِ الإيمَانِ تَنْكَشِفُ تِلكَ الجِهَةُ عَنْ مَبْدَإِ الانْسَانِ وَوَظيفَتِهِ، وَبِأنَّ السُّلطَانَ الاَزَليَّ أرسَلَهُمْ مُوَظَفينَ الى دَارِ الامْتِحَانِ..
فَمِنْ هذه الحَقيقَة يَكوُنُ (الحَمْدُ) عَلى نِعْمَةِ الإيمَانِ المُزيلِ للِظلُمَاتِ عَنْ هذِه الجِهَاتِ الستِّ أيضاً نِعْمَةً عَظيمَةً تَسْتَلْزِمُ (الحَمْدَ). إذْ بـ(الحَمْدِ) يُفْهَمُ

لايوجد صوت