دَرَجَةُ هذِهِ النعْمَةِ وَلَذَّتُهَا. فَالحَمْدُ لله عَلى (الحَمْدُ للهِ في تَسَلسُلٍ يَتَسَلسَلُ في دَوْرٍ دَآئرٍ بِلا نِهَايَةٍ).
النقطة الثانية:
الحَمْدُ للهِ عَلى نِعْمَةِ الإيمَانِ المُنَوِّرِ لَنَا الجِهَاتِ السِّتَّ. فَكَمَا أنَّ الإيمَانَ بإزَالَتِهِ لِظُلُمَاتِ الجِهَاتِ السِّتِّ نِعْمَةٌ عَظيِمَةٌ مِنْ جِهَةِ دَفْعِ البَلايا؛ كَذَلِكَ أنَّ الإيمَانَ لِتَنْوِيرِهِ لِلَجِهَاتِ السِّتِّ نِعْمَةٌ عَظيِمَةٌ اُخْرى مِنْ جِهَةِ جَلْبِ المَنَافِعِ. فَالانسَانُ لعلاَقَتهِ بِجَامِعيةِ فِطْرَتِهِ بِمَا في الجِهَاتِ السِّتِّ مِنَ المَوجُودَاتِ. وَبِنِعْمَةِ الإيمَانِ يُمْكِنُ لِلإنسَانِ اِسْتِفَادَةٌ مِنْ جِميعِ الجِهَاتِ السِّتِّ أيْنَمَا يَتَوَجهُ. فَبِسِرِّ ﴿فأيَنما تُوَلُوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ﴾ (البقرة:115) تَتَنَوَّرُ لهُ تِلكَ الجِهَةُ بِمَسَافَتِهَا الطوِيلَةِ بِلاَ حَدٍّ. حَتى كأَنَّ الانسَانَ المُؤْمِنَ لَهُ عُمْرٌ مَعْنَوِيٌّ يَمْتَدُّ مِنْ أوَلِ الدُّنيَا إلى آخِرِهَا، يَسْتمِدُّ ذَلِكَ العُمْرُ من نُور حَياةٍ مُمْتَدَّةٍ من الأزَلِ الى الأبَدِ. وحتى إنَّ الإنسَانَ بسرِّ تَنْويرِ الإيمَانِ لِجِهَاتِهِ يَخْرُجُ عَنْ مَضِيقِ الزَّمَانِ الحَاضِرِ وَالمَكَانِ الضيقِ الى سَاحَةِ وُسْعَةِ العَالَم، ويَسيرُ العَالَمُ كَبَيتِهِ، والمَاضِي وَالمُسْتَقْبَلُ زَمَانَاً حَاضِرَاً لِرُوحِهِ وَقَلْبِهِ. وَهَكَذا فَقِسْ…
النُقطة الثالثة:
الحَمْدُ للهِ عَلى الإيمَانِ الحَاوي لِنُقطَتَي الاسْتِنَاد وَالاسْتِمْدَادِ.
نَعَمْ، بِسِرِّ غَايَةِ عَجْزِ البَشَرِ وَكَثَرةِ أعْدَائِهِ يَحتَاجُ البَشَرُ أشَدَّ احتِيَاج إلى نُقطَةِ اسْتِنَادٍ يَلْتَجِىءُ إلَيْهِ بِدَفْعِ أعْدآئِهِ الغَيْر(1) المَحْدُودَةِ، وَبِغايَةِ فَقْرِ الانسَانِ مَعَ غَايَةِ كَثَرةِ حاجَاتِهِ وَآمَالِهِ يَحْتَاجُ أشَدَّ احتِيَاجٍ الى نُقطَةِ اسْتِمدَادٍ يَستَمِدُّ مِنْهَا، وَيسْألُ حَاجَاتِهِ بِهَا.
----------------
(1) جاء في المصباح المنير، في مادة (غير) ما نصه:
( … وقوله تعالى: ﴿غير المغضوب عليهم﴾ انما وصف بها المعرفةَ، لأنها أشبَهَت المعرفة باضافتها الى المعرفة، فعوملت معاملتها. ومن هنا اجترأ بعضهم فادخل عليها الألف واللام، لأنها لمّا شَابهت المعرفة، باضافتها الى المعرفة، جاز ان يدخُلها ما يعاقب الاضافة، وهو الالف واللام…). - المترجم.