فَالإيَمَانُ باللهِ هِيَ نُقطَةُ اسْتِنَادٍ لِفِطَرةِ البَشَر. وَالإيمَانُ بِالآخِرَةِ هُوَ نُقطَةُ اِسْتِمدَادٍ لِوِجْدَانِهِ. فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ هَاتَينِ النقطَتَينِ يَتَوَحشُ عَلَيهِ قَلبُهُ وَرُوحُهُ، ويَعُذِّبُهُ وِجدَانُهُ دآئِماً. وَمَنْ اسْتَنَدَ بالإيمَانِ إلى النُقطَةِ الاوُلَى، وَاسْتَمَدَّ مِنَ النُقطَةِ الثانِيَة أحسَّ مِنْ أعْماقِ رُوحِهِ لَذَائِذَ مَعْنَويةً وَأُنْسِيَةً مُسَليَةً وَاعْتِمَاداً يَطْمَئِنُّ بِهَا وِجْدَانُهُ.
النُقطة الرابعة:
الحَمْدُ للهِ عَلى نُورِ الإيمَانِ المُزيلِ للآلآمِ عَنِ اللذَائِذِ المَشْرُوعَةِ بِإراءَةِ دَوَرَانِ الامْثَالِ، وَالمُدِيمِ للنعَم بِإراءَةِ شَجَرَةِ الإنْعَامِ، وَالمُزيلِ آلامَ الفِرَاقِ بإراءةِ لَذَّةِ تَجَدُّدِ الامثَالِ. يَعْنِي أنَّ في كُلِّ لَذَّةٍ آلاماً تَنشَأ مِنْ زَوَالِهَا. فَبِنُورِ الإيمَانِ يَزُولُ الزَّوَالُ، وَينَقَلِبُ الى تَجَدُّدِ الامثَالِ. وَفي التجَدُّدِ لّذَةٌ أُخرى..
فَكَمَا أنَّ الثمَرَةَ إذا لَمْ تُعْرَفْ شَجَرَتُهَا تَنْحَصِرُ النعْمَةُ في تِلك الثمَرَةِ. فَتَزُولُ
بِأكْلِهَا. وَتُورِثُ تَأسفاً عَلى فَقْدِهَا. وإذا عُرِفَتْ شَجَرَتُها وَشُوهِدَتْ، يَزُولُ الاَلَمُ في زَوَالِهَا لِبَقَاءِ شَجَرَتِهَا الحَاضِرَةِ، وَتَبْديلِ الثمَرَةِ الفَانِيَةِ بِأمْثَالِهَا. وَكَذَا إنَّ مِنْ أشَدِّ حَلاتِ رُوحِ البَشَرِ هِيَ التألمَاتُ الناشِئَةُ مِنَ الفِرَاقَاتِ. فَبِنُورِ الإيمَانِ تَفتَرِقُ الفِرَاقَاتُ وَتَنْعَدِمُ. بَل تَنْقَلِبُ بِتَجَدُّدِ الامثَالِ الذَّي فيهِ لذَّةٌ أُخرى إذ (كُلُّ جَدَيدٍ لَذِيذٌ)...
النقطة الخامسة:
الحَمْدُ للهِ عَلى نُورِ الإيمَانِ الذَّي يُصَوِّرُ مَا يُتَوَهمُ أعْدآءً وَاجَانِبَ وَامْوَاتَاً مُوحِشينَ، وَايْتَاماً باكين مِنَ المَوجُودَاتِ، أحْبَاباً وإخْوَانَاً وَأحْيَاءً مُونِسِينَ، وَعِبَادَاً مُسَبِّحينَ ذَاكِرِينَ..
يَعْني أنَّ نَظَرَ الغَفلَةِ يَرى مَوجُودَاتِ العَالَمِ مُضرِّينَ كَالاَعْداءِ وَيتَوَحشُ مِنْ كُلِّ شىءٍ، وَيرَى الاَشْيَآءَ كَالاجانِبِ. إذْ في نَظَرِ الضلاَلَةِ تَنْقَطِعُ عَلاَقَةُ الاُخُوَّةِ في كُلِّ الاَزمِنَةِ المَاضِيَةِ وَالاسْتِقْبَاليةِ. وَمَا اُخُوَّتُهُ