اللمعات | اللمعة التاسعة والعشرون | 529
(516-573)

وَعَلاقَتُهُ إلاّ في زَمَانٍ حَاضِرٍ صَغيرٍ قَليِلٍ. فاُخُوَّةُ أهْلِ الضلالَة كَدقَيقَةٍ في اُلُوفِ سَنَةٍ مِنَ الاجْنَبِيةِ. وَاُخُوَّةُ أهْلِ الإيمَانِ تَمتَدُّ مِنْ مَبْدَإِ المَاضِي إلى مُنتهَى الاسْتِقبَالِ. وَاِنَّ نظَرَ الضلالَةِ يَرى أجْرَامَ الكائِنَاتِ أمْوَاتَاً مُوحِشينَ. وَنظَرَ الإيمَان يُشَاهِدُ اُولئكَ الاجْرَامَ أحْياءً مُونِسينَ يَتَكَلمُ كُلُّ جرْم بِلِسَانِ حالِهِ بِتَسْبيحَاتِ فاطِرِهِ. فَلَها رُوُحٌ وحَيَاةٌ مِنْ هذِهِ الجِهَةِ. فَلا تَكُونُ مُوحِشَاً مَدْهِشَاً، بلْ انيسَاً مُونِساً. وَانَّ نَظَرَ الضلالَةِ يَرَى ذَوي الحَيَاةِ العَاجِزينَ عَنْ مَطَالِبِهمْ لَيسَ لَهُمْ حَامٍ مُتَوَدِّدٌ وَصَاحِبٌ مُتَعَهدٌ. كَأنَهَا أيتَامٌ يَبكُونَ مِنْ عَجْزِهِمْ وَحُزْنِهِمْ وَيَأسِهِمْ. وَنَظَر الإيمَانِ يَقُولُ: إنَّ ذَوي الحَيَاةِ لَيسُوا أيتَامَاً بَاكينَ، بَل هُمْ عِبَادٌ مُكَلفُونَ وَمَأمُورونَ مُوَظفُونَ وَذَاكِرونَ مُسَبحُونَ.

النُقطة السادسة:
الحَمْدُ للهِ عَلى نُورِ الإيمَانِ المُصَوِّرِ للدَّارَينِ كَسُفرَتينِ مَمْلوءتَينِ مِنَ النعَمِ يَستَفِيدُ مِنْهُمَا المُؤمِنُ بيَدِ الإيمَانِ بِأنوَاعِ حَوَاسهِ الظَاهِرةِ وَالبَاطِنَةِ، وَ اَقسَامِ لَطَائِفِهِ المَعنَويَةِ وَالرُوحِيَةِ المُنْكَشِفَةِ بَضِيَاءِ الإيمَانِ.
نَعَمْ: إنَّ في نَظَرِ الضلالَةِ تتَصَاغَرُ دائِرَةُ اسْتِفَادَةِ ذَوي الحَيَاة الى دائِرَةِ لَذائِذهِ المَادِّية المُنَغصَةِ بِزَوَالِهَا. وَبِنُورِ الإيمَانِ تتَوَسعُ دَائِرَةُ الاسْتِفَادَةِ الى دآئِرَةِ تُحيطُ بِالسمَواتِ وَالارضِ بَلْ بِالدُّنيَا وَالآخِرَةِ. فَالمُؤمِنُ يَرى الشمسَ كَسِراجٍ في بَيْتِهِ وَرَفيقَاً في وَظيفَتِهِ وأنِيسَاً في سَفَرِهِ؛ وَ تَكُونُ الشمْسُ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِةً. وَمَنْ تَكُونُ الشمْسُ نِعْمَةً لَهُ؛ تَكُونً دائِرَةُ استِفَادَتِهِ وَسُفرَةُ نِعَمَتِهِ أوسَعَ مِنَ السمَواتِ.
فَالقُرآنُ المُعْجِزُ البَيَانِ بِامثَالِ ﴿وَسَخرَ لَكُمُ الشمسَ وَالقَمَرَ﴾ ﴿وَسَخرَ لَكُمْ مَا في البَرِّ والبَحرِ﴾ يُشيِرُ ببَلاَغَتِهِ إلى هذِهِ الإحسانَاتِ الخَارِقَةِ النَاشِئَةِ مِنَ الإيمَانِ.

النقطة السابعة:

لايوجد صوت