اللمعات | اللمعة الثلاثون | 628
(574-671)

ان الحياة تثبت اركان الايمان الستة وتنظر اليها وتتوجه نحوها، وتشير الى تحقيقها.
نعم! فما دامت (الحياة) هي حكمة خلق الكائنات، وأهم نتيجتها وخميرتها، فلا تنحصر تلك الحقيقة السامية في هذه الحياة الدنيا الفانية القصيرة الناقصة المؤلمة، بل ان غاية شجرة الحياة ونتيجتها وثمرتها - والتي فهم عظمتها وماهيتها بالخواص التسع والعشرين - ما هي الاّ الحياة الأبدية والآخرة والحياة الحية بحجرها وترابها وشجرها في دار السعادة الخالدة. والاّ يلزم ان تظل شجرة الحياة المجَهزة بهذه الأجهزة الغزيرة المتنوعة في ذوي الشعور - ولا سيما الانسان - دون ثمر ولا فائدة، ولا حقيقة. ولظل الانسان تعساً وشقياً وذليلاً وأحط من العصفور بعشرين درجة - بالنسبة لسعادة الحياة - مع أنه أسمى مخلوق، وأكرم ذوي الحياة وارفع من العصفور بعشرين درجة، من حيث الاجهزة ورأس مال الحياة.
بل يصبح العقل الذي هو أثمن نعمةٍ بلاءً ومصيبة على الانسان بتفكره في أحزان الزمان الغابر ومخاوف المستقبل فيعدِّب قلبَ الانسان دائماً معكراً صفو لذةٍ واحدة بتسعة آلام!. ولا شك أن هذا باطل مائة في المائة.
فهذه الحياة الدنيا اذن تثبت ركن (الايمان بالآخرة) اثباتاً قاطعاً بما تظهر لنا في كل ربيع اكثر من ثلاثمائة الف نموذج من نماذج الحشر.
فيا ترى هل يمكن لربٍّ قدير، يهئ ما يلزم حياتك من الحاجات المتعلقة بها جميعاً ويوفّر لك أجهزتها كلها سواءً في جسمك أو في حديقتك، أو في بلدك، ويرسله في وقته المناسب بحكمة وعناية ورحمة، حتى أنه يعلم رغبة معدتك فيما يكفل لك العيش والبقاء، ويسمع ما تهتف به من الدعاء الخاص الجزئي للرزق مُبدياً قبوله لذلك الدعاء بما بثّ من الاطعمة اللذيذة غير المحدودة ليُطمئِن تلك المعدة! فهل يمكن لهذا المتصرف القدير ان لايعرفك؟ ولايراك؟ ولايهئ الاسباب الضرورية لأعظم غاية للانسان وهي الحياة

لايوجد صوت